غزّة في الطريق إلى "الفوضى المنظّمة"

بقلم: عدنان أبو عامر

في يوم واحد في 9 كانون الثاني/يناير2015، شهد قطاع غزّة عدداً من الحوادث الأمنيّة المتلاحقة، تمثّلت في تفجير صرّاف آليّ لبنك فلسطين في مدينة غزّة، وتحطيم كاميرات المراقبة الخاصّة بأحد فروعه في مدينة دير البلح وسط القطاع، وتفجير مولّد الكهرباء لمنزل الناطق باسم الحكومة إيهاب بسيسو، والسطو على ممتلكات شركة الاتّصالات وسط القطاع.

وقد تبعت هذه التفجيرات، رسائل تهديدات وصلت إلى هواتف وزراء الحكومة في غزّة، في 10 كانون الثاني/يناير، جاء فيها: "وحدكم تتحمّلون مسؤوليّة مهزلة عصابة عبّاس، وقبل أن تحرقوا قلوب 50 ألف موظّف، سنحرق قلوبكم".

اتّهامات متبادلة

هذه الحوادث في تنظيمها، غير مسبوقة في غزّة منذ أن سيطرت حماس عليها أواسط عام 2007، حيث فرضت قبضة أمنيّة محكمة، وبقيت حماس تباهي بأنّ رأسمالها في غزّة، هو الانضباط الأمنيّ.

ويعلم الفلسطينيّون في غزّة جيّداً أنّه على الرغم من تخلّي حماس عن الحكومة عقب اتّفاق المصالحة، لكنّ الأجهزة الأمنيّة القائمة في القطاع ما زالت تفرض سيطرتها الأمنيّة، وهو ما دفع إلى طرح أسئلة حول مدى مسؤوليّة حماس عن حصول خلخلة في هذه القبضة الأمنيّة؟

وقد أدان الناطق باسم حماس سامي أبو زهري في 9 كانون الثاني/يناير الحوادث الأمنيّة، ورأى فيها نوعاً من العبث بالمؤسّسات الفلسطينيّة وبالأمن، وطالب أجهزة الأمن بالكشف عن الفاعلين، وتقديمهم إلى العدالة.

أمّا نائب رئيس المكتب السياسيّ لحماس موسى أبو مرزوق فعلق لـ"المونيتور" على هذه الأحداث بقوله: "البعض يريد للفلتان الأمنيّ أن يعود إلى غزّة، ولا يعلم أنّ ذاك الزمن مضى، ولن يعود، وهذه الظواهر الأمنيّة التي أطّلت برأسها، لا مكان لها بيننا، سواء كانت تهديدات لا قيمة لها، أم تفجيرات مدانة، أم تكسير وسرقة".

تبقى فتح غير مقتنعة بإدانة حماس لهذه الحوادث في غزّة، بل حمّلت حماس المسؤوليّة الكاملة عنها، كونها المسؤول الوحيد عن الأمن في القطاع.

لكنّ المتحدّث باسم فتح أسامة القواسمي اتّهم حماس في 10 كانون الثاني/يناير، بتنفيذ الخروق الأمنيّة، "لأنّها تحكم غزّة بتخويف المواطنين والمؤسّسات الخاصّة".

واعتبر عضو المكتب السياسيّ لحزب الشعب وليد العوض في 10 كانون الثاني/يناير أنّ ما جرى من تفجيرات في غزّة يندرج في إطار حالة من الفوضى لتحويل القطاع إلى كتلة من النار.

واستبعد الناطق باسم حماس مشير المصري في حديث إلى "المونيتور" "تراخي قبضة حماس الأمنيّة في غزّة، لأنّ الفلسطينيّين دفعوا ثمناً باهظاً بسبب حالة الانفلات الأمنيّ من قبل السلطة الفلسطينيّة وأجهزتها الأمنيّة قبل سيطرة الحركة على القطاع أواسط عام 2007".

وأضاف: "اليوم في غزّة، هناك أجهزة أمنيّة وطنيّة تقوم بواجباتها لصالح الشعب الفلسطينيّ، لكنّ حالة التراجع النسبيّة في الوضع الأمنيّ تتحمّل مسئوليّته حكومة التوافق التي لم توفّر للأجهزة الأمنيّة الدعم اللوجستيّ والمصاريف التشغيليّة التي تمنعها عن واجباتها لضبط الأمن في القطاع".

لكنّ الناطق باسم الحكومة إيهاب بسيسو ردّ على هذا الاتّهام من حماس بمطالبته في 10 كانون الثاني/يناير بالتوقّف عن عمليّات التحريض المستمرّة ضدّ الحكومة، لأنّ ذلك من مسبّبات عدم الاستقرار، مطالباً بوقف التوتير الإعلاميّ، لأنّ الحكومة مستمرّة في تحمّل مسؤوليّاتها الملقاة على عاتقها تجاه قطاع غزّة.

وطالب نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطيّة لتحرير فلسطين، وعضو اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير قيس عبد الكريم، حماس في 10 كانون الثاني/يناير بكشف منفّذي الحوادث الأمنيّة، وتحمّل مسؤوليّاتها، والتعاطي بشكل جدّي للكشف عمّن تسبّب بهذه التفجيرات وسابقاتها، وتقديم الجناة إلى العدالة.

التحقيقات الأمنيّة

تؤكّدهذه المطالبات بكشف منفّذي هذه الحوادث أنّ حماس، وإن استقالت حكومتها أوائل حزيران/يونيو 2014، لكنّها ما زالت صاحبة القرار الأمنيّ والميدانيّ الأوّل في غزّة، على الرغم من أنّ رامي الحمدلله هو رئيس الوزراء، ووزير الداخليّة والأمن الوطنيّ في الوقت ذاته، لكنّ الكادر الأمنيّ في الوزارة في غزّة من حماس.

وهو ما يعني أنّ عدم قدرة الأجهزة الأمنيّة في غزّة، التابعة لحماس بصورة أو بأخرى، على وضع حدّ لبوادر هذه الفوضى، قد يحمل تفسيراً بأنّ قدرة حماس تراجعت عن الضبط الأمنيّ كما كان سابقاً، وبالتالي تراخت قبضتها، ممّا قد يؤشّر إلى تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلاً، من خلال دخول مجموعات ميدانيّة نجحت في اختراق الساحة الأمنيّة في غزّة.

وهناك احتمال ثانٍ أنّ حماس تغضّ الطرف عن الحوادث الأمنيّة في غزّة، ولا تبذل جهوداً حقيقيّة لتعقّب منفّذيها، وتتّهم الحكومة بالتقصير عن أداء واجباتها تجاه الأجهزة الأمنيّة التابعة لها في القطاع، وإلّا قد يكون البديل دخول غزّة في دوّامة الفوضى الأمنيّة.

وأكّد مشير المصري في حديثه إلى "المونيتور" أنّ "كلّ احتمالات تفسير الحوادث الأمنيّة قائمة، بسبب استمرار فتح في حالة التنكّر للمصالحة، وهروب الحكومة من مسئوليّاتها تجاه غزّة، ممّا ستكون له تبعات سلبيّة على الوضع الأمنيّ في القطاع، الذي لم يشهد مثل هذه الحالة المتراجعة منذ فترة حكم حماس خلال 7 سنوات".

وأضاف: "استمرار اشتداد الحصار على غزّة من قبل العدوّ الصهيونيّ، وبعض الأطراف الإقليميّة، وعدم الشروع في إعادة الإعمار، قد يدفعان ساحة غزّة إلى مزيد من الفوضى الأمنيّة، ويجعلان كلّ الأطراف المجاورة لغزّة تدفع ثمن هذه الفوضى، وليس القطاع وحده فقط".

الملفت في هذه الحوادث الأمنيّة أنّ أيّاً من المجموعات أو التنظيمات لم يعلن مسئوليّته عنها، وهو أمر غريب فعلاً.

وقال مسؤول فلسطينيّ كبير في مكتب الرئيس محمود عبّاس طلب إخفاء هويّته، لـ"المونيتور": "معرفة منفّذي هذه الحوادث ليست في حاجة إلى تحقيقات أمنيّة كبيرة، فالكلّ في غزّة يعلم أنّ حماس تعلم تفاصيل التفاصيل في القطاع، وترصد الواقع الميدانيّ في صورة دقيقة، ولذلك فهي ليست بعيدة عن هذه الحوادث، من خلال تكليف عناصرها بتنفيذها للضغط على الحكومة".

أخيراً... من الواضح أنّه في ظلّ تأزّم الموقف السياسيّ بين حماس وفتح، واتّهام حماس الحكومة بمواصلة إهمال مطالب سكّان غزّة لإعادة الإعمار، وتوفير الرواتب، وفتح المعابر، فستتحوّل غزّة رويداً رويداً ساحة لما يشبه "الفوضى المنظّمة تحت السيطرة"، لإرسال رسائل تحذيريّة إلى الجهّات التي تحاصر حماس، وتضغط عليها، بأنّ الحركة تملك أوراقاً ميدانيّة قد تؤذي تلك الأطراف، ولا تبقي الأضرار في ساحة حماس فقط.

بقلم عدنان ابو عامر