أخيراً، نُشر المرسوم الرئاسي المتعلق بتشكيل المجلس الفلسطيني الاعلى رقم 21 لسنة 2013 في الجريدة الرسمية في عددها رقم 110 الصادر في 30/12/2014، أي بعد اكثر من سنة وثمانية أشهر على اصداره بتاريخ 24/4/2013. هذا النشر المتأخر كان يمكن أن يكون "عاديا"، أي ان ديوان الفتوى قد أهمل أو تأخر في النشر، ويتحمل المسؤولية عن هذا التأخير والاهمال. لكن أن يُنشر مع تعديله الذي صدر في 18/9/ 2014 ما يُثير الفضول لمعرفة التلازم ما بينهما، وسبب التأخر في عدم نشره لمدة طويلة، ويثير التخوف من وجود شبهة تضارب مصالح.
بالتأكيد أن رسم السياسة العامة للقطاع الصحي ووضع استراتيجية وفقا لجدول زمني محدد ومسؤوليات معلومة هو مطلب هام ومحق بل هو أيضا مطلبا وطنيا، فيما تتولى وزارة الصحة تنفيذها لتطوير القطاع الصحي الحكومي بعيدا عن الاجراءات المبعثرة وغير المنظمة وغير المنسقة كالتي جرت في السنوات السابقة بناء على رغبات وزراء الصحة وأولوياتهم. هذا الامر بالتأكيد يتطلب رسم وتبني سياسة تطوير الخدمات الصحية الحكومية والارتقاء بها لتوفر خدمات صحية ذات جودة عالية وفي نفس الوقت التقليل من الاعتماد على شراء الخدمة من خارج مؤسسات الوزارة، وخفض التكلفة العالية على خزينة السلطة الفلسطينية.
لكن المرسوم الرئاسي وتعديله المذكوران اعلاه يحملان عوارا قانونيا؛ فقد منحا رئيس دولة فلسطين "رئيس السلطة" رئاسة المجلس الصحي الاعلى وهو أمر ليس من اختصاصاته وفقا للقانون الاساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية المعدل لسنة 2003 نصا وروحا؛ إذ إن انتاج السياسات العامة هو من اختصاص مجلس الوزراء وفقا لأحكام المادة 69 منه، فيما الهدف من تعديل 2003 كان الفصل ما بين الرئيس ومجلس الوزراء الذي يتحمل المسؤولية عن السياسات العامة امام المجلس التشريعي. أي ان المرسوم الرئاسي رقم 21 لسنة 2013 بشأن المجلس الصحي الفلسطيني الاعلى بمعنى آخر تعدى على صلاحيات الحكومة واختصاصاتها وإخراجها من مسؤولية رسم السياسة العامة المتعلقة بالقطاع الصحي. كما يُقصي رئيس الحكومة صاحب البرنامج الحكومي الذي يتضمن سياسة الحكومة للقطاع الحكومي. وإن غُلف المرسوم في ديباجته بالاعتماد على أحكام النظام الاساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
أما العوار الاخر والذي لا يقل عن الاول خطورة هو المنحى المتبع في انشاء مؤسسات ومناصب لأشخاص محددين بل ايضا انتاج قواعد قانونية أو تغيير نصوص قانونية لصالح شخص لضمان مستقبل وظيفي له، وهي بالمناسبة ليست المرة الاولى في قطاع الصحة. فوزير الصحة الحالي يتولى منصبين في المجلس الصحي الاعلى؛ الاول نائب رئيس المجلس بصفته وزيرا للصحة، والثاني أمين عام المجلس بصفته الشخصية علما ان هذا المنصب كان لنقيب الاطباء عندما كان الوزير نفسه نقيبا للأطباء عام 2013 قبل توليه منصب وزير الصحة.
يتحمل مسؤولية هذا الامر بالدرجة الاولى المستشارين المؤتمنين على صياغة وكتابة النصوص التشريعية والمراسيم الرئاسية الذين مهمتهم الاولى احترام القانون ورفعته، وتقديم الاستشارة المتوافقة معه، والنصح والحض على احترام سيادة القانون، ومنع تضارب المصالح، ووقف أية محاولة لاستغلال المنصب العام، أو التعدي على المال العام، والوقوف حائلا امام الوقوع في الاخطاء لمن استأجرهم لهذه المهمة.