إن صفحات جديدة في تاريخ المنطقة العربية، وفي القلب منها مصر، تتهيأ للبزوغ من خلال أطوار انتقالية تتراوح فيها مستويات العسر والشدة. حتى إذا استوى للتجربة عودها وقد عركتها الأحداث تمّ لها مرادها أمانا ونماء.
فمنذ بدء الحراك الثوري في مصر بتاريخ 25 يناير 2011م وما ترتب عليه إلى يومنا هذا من أحداث لمسنا تأثير ارتداداتها في مصر تحديدا والمنطقة عموما.. فقد كان هناك بالتوازي حراكا داخليا غير ملحوظ في المستويات الوسيطة والقواعد للأحزاب والحركات التغييرية على مستوى الإدراك والفعل. وربما نشهد اليوم مفاعيل هذا الحراك الإيجابي الذي استطاع أن ينفض عن نفسه أثقال التردد والخوف ليسعى بجِد إلى تحقيق أحلامه الوطنية في الحرية والاستقرار والريادة بكل وعي واقتدار.
ويثبت للمتابع في المشهد المصري أن وسائل استراتيجية النضال السلمي تكاد استنفذت رصيدها لتغيير واقع النظام المصري بعد أربعة أعوام من بداية الحراك الثوري وعام ونصف العام منذ الانقلاب على نتائج الانتخابات التي أفرزت مرشح الإخوان "محمد مرسي" رئيسا، مما سيحدو بهذه الروح الجديدة في الأحزاب والحركات التغييرية التي تمتلك مبرراتها من التاريخ والمشاهدة أن تنتقل إلى مستويات أعنف وأجدى.
إن محاولات استنزاف النظام اليومية، وكسب ساحات الأطراف في الدولة مع التمدد إلى الوسط، والتهديد الشخصي لعناوين النظام وأبواقه وأعوانه ومصالحهم المباشرة، وتعميم الفوضى الخلاقة بما يؤثر على مرتكزات ومصالح النظام، واستخدام القوة المسلحة بوتيرة تدريجية وموجهة، وغير ذلك من الاستراتيجيات الفاعلة هي التي ستكون عنوان المرحلة المقبلة في مصر.
إن المنطق والواقع يؤكدان أن ضبابية المشهد السابق بكل مستوياته (الرموز، المجموعات، المؤسسات) خلال المراحل السابقة من الحراك الثوري في مصر بدأت تنقشع. ومن خلال استقراء هذه الأحداث يمكن استنباط الصورة الجديدة لمصر، حيث سيكون نتائج التغيير الثوري في هذه المرة جذريا وشاملا بما لا يستثني حتى عرف المقدسات المصرية (الجيش، القضاء، الإعلام، الأزهر).
لقد أخطأ النظام المصري عندما تجاهل سنن تجاربه السابقة واعتقد أن بإمكانه ارتهان حرية شعب بأكمله في ظل حركة الانفتاح والتبادل المعرفي العالمي، كما أطلق لنفسه مداها بممارسة أبشع وسائل القمع والقهر الإنساني التي لا بد وتستدعي يوما ما ثاراتها. وبالتالي، فإن أيًّا من الاستدراكات الانتهازية للعمل الوطني المشترك مع ذات أدوات النظام السابق فيما بعد تمكن الفعل الثوري لن تكون ذات جدوى.. اللهم إلا تحري السلامة بخيار الانسحاب التام من صورة المشهد الجديد.
ربما الحديث هنا متسقا والمآلات التي يراها الكاتب، ولا يعني ذلك أن تصدعا كبيرا قد أصاب النظام المصري اللحظة، إنما مراكمة النتائج بذات أثر الفعل المدوي في سيناء بالأمس ستُحدِث فرقا. وجدير بالذكر إذًا أن التغيير المرتقب لن يكون غدًا بقدر ما هو قريب تبعا لاتّقاد العزيمة الثورية التي تعيش ألما شديدا يدفعها لترنو إلى مستقبل أجمل.
الكاتب/ إبراهيم عمر المصري، فلسطين، 30/1/2015م