عملية شبعا ،هي عملية نوعية بكل المعايير والمقاييس،فهي عملية جاءت في ظل ظروف امنية معقدة جداً،وفي ظل حالة من الإستنفار العسكري والأمني الإسرائيلي غير المسبوق،حتى ساد إعتقاد بان اسرائيل تراقب كل شاردة وواردة في المنطقة،وليأتي رد حزب الله في زمن قياسي بين عملية اغتيال مجموعته القيادية والجنرال الإيراني في القنيطرة السورية،وبين عملية شبعا،ليؤكد بأن هذه العملية حملت من حيث الزمان والمكان،التخطيط والتنفيذ دلالات ومعاني نوعية سياسية وامنية،فهي حدثت في منطقة لبنانية محتلة وخارج سياق القرار الدولي 1701،وبالتالي من حق حزب الله أن يقاوم الإحتلال،وهو بذلك لا يعطي حجج وذرائع لنتنياهو للقول،بأن الحزب خرق تفاهمات 2006،وكذلك لم يأتي الرد من داخل الأراضي السورية،لإعتبارات تحميل سوريا مسؤولية خرق اتفاقية فض الإشتباك الدولية لعام 1974 ،والقول لأمريكا من قبل اسرائيل بان ايران تحارب دولة الكيان من خلال الأراضي السورية،ونقطة أخرى جوهرية،هي ان دول محور المقاومة أقامت بنية عسكرية في منطقة الجولان السوري،من اجل فتح جبهة الجولان ضد دولة الكيان،وهذا ما يثير قلق دولة الكيان اكثر من اي شيء آخر،العودة الى حروب الإستنزاف.
صحيح أن الرد ليس بحجم الجريمة المرتكبة،ولكن ما هو صحيح بأن سرعة وقياسية الرد في ظل كل اجواء الإستنفار والتبجح الإسرائيلي،تجعل هذه العملية نوعية بإمتياز،وهذه العملية ستترك الكثير من التداعيات على مستقبل نتنياهو السياسي،نتنياهو الذي كان يعتقد بأن ما انجزه عسكريا وامنياً وإستخباراتياً بقتل مجموعة حزب الله القيادية والجنرال الإيراني،قد ترفع من رصيده الشعبي والجماهيري وتقوده مجدداً الى رئاسة الحكومة،ولكن تلك العملية التي تحولت الى كابوس لدولة الإحتلال ونتنياهو،والتي وصلت حد الإتهام لنتنياهو بأنه يمارس حماقات وتصرفات رعناء في سبيل مصالحه الإنتخابية،وقد حاول نتنياهو ان يتجنب رد حزب الله وايران وسوريا،بنقل رسائل لهم بأن اسرائيل لم تكن على علم ودراية بوجود الجنرال الإيراني ضمن المجموعة المستهدفة،وكذلك نقلت رسالة لحزب الله عن طريق موسكو،بانها غير معنية بتدهور الأوضاع وتطورها لحرب إقليمية،وأنها قد تستوعب رداً لحزب الله في إطار قواعد الإشتباك والصراع والردع المتبادل بإستهداف جنود ومنشآت عسكرية،والعديد من التحليلات الإسرائيلية الأمنية والإستخباراتية الإسرائيلية،كانت تقول بأن حزب الله المنشغل في أكثر من منطقة،ليس لديه القدرات على الرد،وبالتالي رد حزب الله قد يطول ويبهت،او لربما لا يستطيع الرد.
ولكن على الجهة المقابلة،كنا متوقعين ومتيقنيين بأن حزب الله ومعه محور المقاومة،قد اتخذوا قراراً بالرد،واستكملوا الإستعدادات لهذا الرد.....وهناك اجماع في هذا المحور بعدم السماح لإسرائيل بتغيير قواعد الإشتباك والصراع والردع في المنطقة....وسبق لحزب الله ان رد على العمليات الإسرائيلية السابقة،وفي لقاء سماحة السيد حسن نصرالله على فضائية الميادين،كان واضحاً القول:- بأن الغارات الإسرائيلية على سوريا،سيكون عليها رد،ومن حق المقاومة ان ترد....واسرائيل أرادت أن تختبر صدقية حزب الله وامينه العام،فنفذت عمليتها ضد المجموعة القيادة لحزب الله في القنيطرة السورية،تلك العملية التي أرادت اسرائيل ان تضرب بها ثلاثة عصافير بحجر،إستمرار انتهاك الأراضي السورية وبدون رد،كسر هيبة حزب الله وافقاد الجماهير اللبنانية والعربية وقوى المقاومة الثقة بالحزب..وتوجيه رسالة لإيران بأن اسرائيل ،لن تسكت عن دعمها لحزب الله،وكذلك إفشال محادثاتها مع واشنطن والغرب الإستعماري حول ملفها النووي...أو لربما أرادت ان تجر حزب الله لمواجهة شاملة تمكنها من تدمير قدراته وإمكانياته العسكرية المتطورة والتي تحدث عنها سماحته في مقابلة الميادين،وكذلك تدمير مرابض اسلحته على الأراضي السورية،ومنع تحول جبهة الجولان الى ساحة حرب استنزاف،كما جرى في لبنان قبل عام 2006،والإستثمار السياسي للعملية بالدخول على خط المفاوضات الإيرانية – الأمريكية – الأوروبية الغربية بشان ملفها النووي.
وهذا الخيار ليس ممكناً ،لوجود العديد من الإعتبارات،لكون خيار الذهاب للحرب خياراً أمريكياً،وامريكا في ظل الظروف والمتغيرات الحاصلة في المنطقة،وتراجع وانحسار هيبتها وأحادية قطبيتها،وإنشغالها في أكثر من ملف وقضية،بدءاً من القضية الأوكرانية ومروراً بالقضايا الأفغانية والعراقية،والملف النووي الإيراني والحرب على "داعش"،والقضايا السورية واللبنانية،وما يحصل ويجري في اليمن،ووجود الحوثيين على حدود حليفتها السعودية،ومصر والتطورات والأحداث الحاصلة فيها،يضاف لذلك القضية الفلسطينية وتعقيداتها...الخ،كل هذه الأوضاع،تجعل امريكا غير معنية بتطور الأوضاع نحو حرب إقليمية شاملة،قد تخرج تداعياتها عن السيطرة الأمريكية،وربما تؤدي الى المزيد من الخسارة،ليس فقط لمصالحها ونفوذها في المنطقة،بل حلفائها الإقليميين والعرب من مشيخات النفط والكاز،فمن المرجح أن يتراجع دورهم وتأثيرهم ونفوذهم في المنطقة لصالح محور المقاومة والممانعة،فهناك حلف يتشكل وترسى قواعده من طهران حتى لبنان،يضاف له قوى المقاومة على الساحة الفلسطينية،يعمل على ترسيخ قدراته وتطوير إمكانياته،ويتقدم في أرض الميدان والفعل،ويزداد حضوراً وتأثيراً بين الجماهير .
عملية شبعا لن تكون الرد النهائي على العنجهية والغطرسة الإسرائيلية،فإسرائيل ستواصل القيام بأعمالها العدائية تجاه محور المقاومة،وهي تتحين الفرصة من أجل ان توقع ضربة قاصمة بحزب الله،فهي قلقة من كون هذا الحزب،أصبح فعله ودوره أبعد من الساحة اللبنانية،وهو يقوم بدور فاعل عربياً وإقليمياً،وهي تعمل ليل نهار من أجل ايجاد حزام أمني يمتد من القنيطرة السورية وحتى مزارع شعبا اللبنانية،تسيطر عليه عصابات جبهة النصرة،يكون بمثابة جيش لحد في الجنوب اللبناني،من اجل حماية حدودها ،وبما يمنع فتح حروب إستنزاف من الجولان وغيرها ضد قواتها وجيشها ومستوطنيها.
الحساب مفتوح ما بين حزب الله ومحور المقاومة من جهة وبين اسرائيل من جهة أخرى،وحزب الله متيقن بأن جيش الإحتلال من بعد تحرير الجنوب اللبناني آيار/2000،وحرب تموز/2006 فقد قوة الردع،ولا نبالغ بأن حروب اسرائيل العدوانية اللاحقة،وتحديداً بعد عدوانها الأخير على شعبنا ومقاومتنا في قطاع غزة /2014،كشفت بشكل واضح بان اسرائيل لم تعد صالحة لخوض الحروب،وان ميزان الردع وفجوة التفوق على محور المقاومة في المجال العسكري والتقني آخذه في التقلص والتراجع لصالح محور المقاومة،ولذلك فحديث نتنياهو والقيادة الإسرائيلية عن ضرب وتدمير لبنان والتهديد بمصير غزة،سيبقى شيكات بدون رصيد،ونتنياهو ربما سيجد نفسه بعد عملية حزب الله خارج الحلبة السياسية،او ماثلاً أمام المحاكم ولجان التحقيق بتهم المس بهيبة الردع الإسرائيلي وتعريض امنها للخطر في سبيل مصالحه ومكاسبه الحزبية والإنتخابية،فمذبحة صبرا وشاتيلا قادت شارون الى خارج الحلبة السياسية مؤقتا ،وكذلك هي مذبحة قانا اللبنانية التي ارتكبها شمعون بيرس 1996 قادته للفشل والخروج من الحلبة السياسية.
القدس المحتلة – فلسطين
30/1/2015
0524533879
[email protected]