خطاب سماحة السيد حسن نصر الله المفصلي في ذكرى شهداء القنيطرة،يذكرني بخطاب الرئيس الراحل الكبير جمال عبد الناصر،عندما قال بعد هزيمة حزيران عام/1967،ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة،وعمل على فتح حرب إستنزاف طويلة مع العدو الصهيوني،واعاد بناء وتأهيل وتسليح الجيش المصري من اجل العبور والتحرير...وسماحته بصوته الجهوري بعد عملية شبعا قال في أحد اهم نتائج الرد المقاوم،على جريمة القنيطرة واغتيال المجموعة القيادية لحزب الله والجنرال الإيراني "
المقاومة لا تعترف بقواعد الاشتباك ولا بتفكيك الساحات والميادين، ومن حقنا أن نواجه أيّاً كان وفي أي زمان ومكان وكيفما كان"،هذه واحدة من اهم الرسائل التي وجهها سماحته في خطابه.وكذلك قال سماحته بشكل واضح بأن المقاومة ليست مرعوبة ولا مذعورة ولا مرتعدة الفرائص،ولا تخشى الحرب اذا ما فرضت عليها،وقادرة على ان تحسم فيها...مقاومة تربت على الشجاعة والإقدام وعلى تكون في الخطوط الأمامية وقيادتها في الميدان الى جانب المقاومين والمجاهدين،قيادة تلتحم بالجماهير وتعبر عن همومها،قائد بحجم سماحة السيد يدفع ابنه شهيداً،ويصر على تحرير شعبه من السجون يستحق ان يكون رمزاً وقائداً،أي قائد هذا الذي يجتمع عليه الكثيرون من العرب ودول العالم،من أجل أن يقوم بإطلاق سراح الجنديين الإسرائيليين اللذان جرى أسرهما،وهو رغم كل الحمم ومئات أطنان القنابل التي تلقى على الضاحية الجنوبية،يقول بكل عزة وعنفوان القائد الشجاع المالك لقراره السياسي وإرادته"والله لو اجتمعت علينا كل دول العالم،لن إطلاق سراح هاذين الجنديين،إلا بتحرير أسرانا من السجون".
سماحة السيد حسن نصرالله خيب ظن كل الشامتين والمتشفين والناعقين،بأنه لن يرد وهو أعجز من ان يرد،بل كان رداً في ظل كل الظروف والتعقيدات وحالة الإستنفار القصوى لدولة الكيان براً وبحراً وجواً ،يرتقي الى مستوى المعجزة،فهو رد كان في وضح النهار،فالشجاعة أن تأتي عدوك في وضح النهار ومن الأمام،وليس غدراً وغيلة.
نصرالله بحنكته ودهائه،صنع حدود الردع المتبادل،من حيث زمان ومكان العملية،التخطيط والتنفيذ،والظروف الدولية المحيطة بذلك،فنصر الله يدرك تماماً بأن قرار الذهاب الى الحرب الشاملة في الرد الإسرائيلي،هو بيد امريكا،وأمريكا غير قادرة على خوض حرب الآن وغير جاهزة لها،فهي غارقة في المشاكل والأزمات،ليس فقط الداخلية منها ،بل الخارجية والتي باتت تشكل مخاطر حقيقية على الدور والمصالح والأهداف الأمريكية في المنطقة،فهي غارقة في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان وايران ومصر وفلسطين واليمن وأوكرانيا،والذهاب الى حرب شاملة أو إقليمية،قد يسبب لها المزيد من النزف والتراجع،وخسارة كبيرة لحلفائها في المنطقة وفي المقدمة منهم اسرائيل ومشيخات النفط والكاز العربي،فإسرائيل لم تعد صالحة للحروب بعد حرب تموز/2006 العدوانية،والتي خاضتها بالوكالة لأول مرة نيابة عن أمريكا،من أجل إستولاد الشرق الأوسط الجديد بلغة وزير الخارجية الأمريكية أنذاك "كونداليزا رايس"،تلك الحرب التي مرغ فيها حزب الله أنف جيش اسرائيل الذي لا "يهزم" في الوحل"،وليقول سماحة السيد حسن نصرالله بأن دولة "اسرائيل" اوهن من بيت العنكبوت،و"اسرائيل" من بعد ذلك لم تحقق أي نصر في حروبها،وكذلك حملة المشروع الأمريكي الجدد،ممن يسمون بدعاة "الربيع العربي" الذين أوكلت لهم أمريكا المهمة،بدعم وإسناد ومشاركة من قبل مشيخات النفط والكاز الخليجية وجماعة التتريك واسرائيل،مشروع الفوضى الخلاقة ،والفتن المذهبية والطائفية العربية – العربية،لم ينجحوا في مشروعهم،الذي تكسر على صمود محور المقاومة،وبالذات الحلقة السورية،التي شكل صمودها بداية تغيير عوامل الردع،لكي تصل الأمور الى تغيير قواعد الإشتباك،فمحور المقاومة من ايران حتى لبنان ،يعتبر الحلقة السورية حلقة مركزية في التصادم مع المشروع المعادي،وعلى مصيرها يتوقف مصير محور المقاومة،ولذلك كانت ايران وسوريا وحزب الله في وحدة مسار ومصير،يفرض عليها أن تغير قواعد الإشتباك،وتجاوز كل الخطوط الحمر،بحيث تنهي اربعين عاماً من الهدوء على جبهة الجولان وتؤسس لمقاومة شعبية من الجولان،مع إستمرار حزب الله في مقاومته ضد العدو،وخصوصاً بأن مزارع شبعا اللبنانية محتلة،ولا يسري عليها القرار الأممي (1701)،والحماقة التي ارتكبها نتنياهو وتصرفه الأرعن في القنيطرة السورية بإستهداف وقتل المجموعة القيادية الميدانية لحزب الله والجنرال الإيراني،خدمة لمصالحه واهدافه الإنتخابية،عنت بشكل مباشر توحد محور المقاومة،بحيث قال سماحته بشكل واضح،بأن إستهداف اسرائيل لعناصر حزب الله في سوريا،او حتى قتل وإغتيال أي منهم غدراً وغيلة،ستكون مسؤولة عنه اسرائيل،وتتحمل المسؤولية عن ذلك،ومن حق حزب الله ان يرد على تلك الجرائم.وهذا بالملموس يعني بأن أي عدوان اسرائيلي على سوريا تحت حجج وذرائع وقف إمدادات السلاح لحزب الله يستوجب الرد،ويجعل اسرائيل تفكر ملياً ومطولاً قبل إرتكاب أي عدوان أو حماقة جديدة،وبالمختصر حرمة الجولان او سوريا من حرمة جنوب لبنان.
حزب الله حرض على نتنياهو الطامح للفوز بالإنتخابات،بسبب هذه العملية التي كان يعتبرها إنجازاً عسكرياً وامنياً وإستخباراتياً،قبل أن تتحول الى كابوس جعلت المجتمع الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية،بل وكل دول العالم تعيش على أعصابها،كيف سيرد حزب الله،وأين سيكون الرد،وما هو نوعه وحجمه؟؟،واسرائيل تعرف مدى مبدئية وصدقية حزب الله وامينه العام،الذي كان واضحاً بأن رده قادم،عندما أعلن بعد نصف ساعة عن شهدائه الذين إستهدفتهم اسرائيل في القنيطرة السورية،ولذلك رغم دخول السبت وجدنا أكثر من وسيلة إعلام اسرائيل نقلت خطاب سماحة السيد حسن نصرالله مباشرة،والكثير من المحللين الإسرائيليين سياسيين وعسكريين وامنيين،كانوا يتابعون كل كلمة في خطاب سماحته،يحللون المقاصد والمرامي والمغازي،وما يهدف إليه فيما يقوله،وعندما يتهم القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية بالحماقة،فهو يقول ل"الإسرائيليين"بأن هذا الأحمق نتنياهو يقودكم نحو الدمار والكارثة،ولذلك فلربما نتنياهو بدلاً من ان يعود لرئاسة الحكومة مرة أخرى على أنقاض تلك العملية،فالرد عليها،وإبتلاعه للرد وعدم قدرته على تحويل "تبجحاته" الى فعل على الأرض،قد يلقي به الى خارج الحلبة السياسة،كما فعلت مجزرة صبرا وشاتيلا بالمغدور شارون،ومذبحة قانا اللبنانية (1996) بشمعون بيرس.
اسرائيل تعيش مأزقها الإستراتيجي من بعد عام/2000 ،وتحرير الجنوب اللبناني،وهي دولة لم تعد صالحة للحروب،وستبتلع الرد وستقر بقواعد الإشتباك الجديدة،وهي فقط قوية بالإنقسامات العربية والإسلامية،وبدعاة ثقافة الإنهزام و"الإستنعاج" المرتعدين خوفاً منها.