متى تنهار الأمم؟ متى تسقط الدول؟ سؤال ضخم، سؤال كبير، سؤال ارق و اقلق و قض مضاجع احد الملوك لدى تربعه على عرش المملكة، سؤال غير تقليدي شغل فكر الملك وعقله وقلبه وضميره وهو ينظر إلى مستقبل المملكة وما يمكن أن تواجهه من تحديات جسام، سؤال ملك مسئول يشعر بثقل وحجم المسئولية الملقاة على عاتقه.
وفى إطار اهتمامه و سعيه للحصول على إجابة على سؤاله على هذا المستوى والحجم "متى تنهار الأمم؟"، فقد قام الملك بكتابة رسالة مطولة إلى احد الحكماء في المملكة ممن يشهد له بالفكر والمعرفة والفهم والبصر والبصيرة خلاصتها طلبه من الحكيم الإجابة عن سؤاله المحير ذو الكلمات الثلاث "متى تنهار الأمم؟". لم تمر فترة طويلة حتى جاءت رسالة الحكيم ردا على رسالة الملك متضمنة كلمتين اثنتين فقط "أنا مالي"، الأمر الذي أثار انزعاج الملك و غضبه ظنا منه أن مضمون الرسالة قد تجاهل الإجابة على سؤاله. وبعد مراجعة واعية للموضوع توجه الملك بنفسه إلى بيت الحكيم لاستيضاح المسألة، ولدى معاتبة الملك الحكيم على طبيعة رده على رسالته، جاء رد الحكيم قويا واعيا فاهما مبصرا حين قال للملك أنه يقدر و يثمن عاليا أهمية سؤاله الكبير والضخم، وانه لم يتجاهل بالمطلق الإجابة على سؤاله، بل انه قد قدم له إجابة شافية ووافية وشاملة ومقنعة، فالأمم حتما تنهار، والدول حتما تسقط حين تسود ثقافة "أنا مالي" لدى أبناء المجتمع.
باختصار شديد، تنهار الأمم وتسقط الدول لدى سيادة ثقافة "أنا مالي" لدى أبناء المجتمع، تنهار الأمم حين تسود ثقافة أنا لا يعنيني، أو أنا لا يخصني، أو أنا لا يهمنى لدى الناس، تنهار الأمم حين تسود ثقافة "نفسى نفسى" لدى الناس، تنهار الأمم حين تغيب قيم المسئولية و الانتماء تجاه الوطن لدى الناس، وحين تتقزم قضايا وهموم الوطن الكبرى أمام المصالح الفردية الذاتية أو الفئوية الضيقة باعتبارها أولوية الأولويات لدى الناس، وحين تسود بين الناس ثقافة تغليب الخاص أو حتى خاص الخاص على حساب العام ومصالح وهموم الوطن والمواطن، وحين تتوه "نحن" أمام ضجيج وصخب "الأنا و تضخيم الذات" في المجتمع، وحين يتشبث الناس بالمصلحى والمنفعى الذاتي في الوقت الذي يدوسون فيه بأقدامهم ونعالهم على قضايا وهموم الوطن الكبرى ويغفلون دورهم الحقيقي والريادي في عمارة وتطور وتقدم المجتمع، وحين تغيب قيم التكافل والتعاون والتضامن بين الناس، وحين تسود ثقافة الحقد والكراهية والحسد والبغضاء لدى الناس، وحين تسود ثقافة التنكر لأهل الفضل إذ لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذووه، وحين تكون العائلة أو العشيرة أو يكون الحزب أو الفصيل أهم أو اكبر من الوطن، وحين تكون الراية أهم واكبر من علم الوطن، وحين تسود ثقافة الاستعراض الذاتي بأشكالها وألوانها وأنواعها المختلفة لدى الناس باعتبارها من اخطر وأشرس آفات التخلف النفسي في المجتمعات التي تقود إلى الانهيار السريع للأمم، وحين يتجاهل أصحاب المواقع أيا كان مستواها سواء أكانت في قمة الهرم الوظيفي أو قاعدته وما بينهما أنهم إنما وجدوا في هذه المواقع فقط لخدمة الناس وليس ليكونوا أسيادا عليهم، وحين .... الخ
في ضوء ما تقدم يمكن لنا أن نفهم لماذا تقدمت الكثير من الدول واحتلت مواقع متقدمة في مارثون الحضارة الكوني، يمكن لنا أن نفهم لماذا نجحت بعض الأمم في فرض سيطرتها وتحكمها في مقدرات وقرارات الكثير من الأمم الأخرى في العالم، يمكن لنا أن نفهم لماذا وكيف بادت كثير من الحضارات و ألأمم والدول بعد أن سادت، يمكن لنا أن نفهم ما الذي جرى ويجرى في المنطقة من حولنا، يمكن لنا أن نفهم مستقبل المنطقة من حولنا وإلي أين تتجه، يمكن لنا أن نفهم ما هو سبب إخفاق بعض الأمم و المجتمعات في معالجة قضاياها الكبرى التي طال عليها الزمن دون حتى بصيص أمل لأية آفاق للحل ؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!