منذ بدء الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ، ومع انطلاق الثورة والمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الكوليونالي الاستيطاني ، والمبدع الفلسطيني يتعرض للقهر والخنق والسجن والتصفية الجسدية، وذلك بهدف إسكات صوته المعبّر عن الجرح والألم والوجع الفلسطيني والناطق باسم الوطن وفقراء الشعب ، ولمن لا صوت لهم.
وقد لجأت المؤسسة الصهيونية إلى اغتيال المبدعين والمثقفين الفلسطينيين أمثال: غسان كنفاني وكمال ناصر وماجد أبو شرار وعز الدين القلق ، وغيرهم من شهداء الكلمة والثورة ، وذلك كجزء من محاولات الطمس والتزوير والتشويه والخنق الثقافي والإبادة الجماعية التي تشنها لضرب وتغييب الأدب والتاريخ والتراث الفلسطيني والذاكرة الجماعية الفلسطينية . ومن هنا تنبع مسؤولية المبدع والمثقف الفلسطيني بحماية وصيانة تراث شعبنا وتاريخه وهويته ونقله للأجيال الفلسطينية الجديدة ، ومواصلة الإبداع الملتزم بقضايا الناس والجماهير.
فالمبدعون هم جنود الكلمة وأمناء الأبجدية التي لا تهزم ، والحرف يدخل المعركة ويجند نفسه أبجدية كاملة ، وتنفجر الكلمات لتضيء خندق الدم الفلسطيني الذكي ، وخندق المقاومة ضد الموت والإبادة والتجويع والحصار والدمار . والمبدع الثوري الحقيقي هو من يكتب نصه بين لهيب الخنادق والانفجارات ، وتحت القذائف في المعارك وخلف المتاريس ، وليس في المكاتب المكيفة تحت نور الكهرباء وأمام شاشة الحاسوب ، كما هو الحال في أيامنا هذه.
أفلم يكتب عمالقة الشعر والأدب الفلسطيني (محمود درويش ومعين بسيسو وعز الدين مناصرة ورشاد أبو شاور ) ، وسواهم ممن أصدروا نشرة (المعركة ) التعبوية ، روائعهم الأدبية والشعرية العصماء تحت الحصار في بيروت الصمود ، إبان العدوان الهمجي الفاشل ، حين امتزجت الكلمة بالرصاصة والقذيفة ..!
لقد انطلق صوت المبدعين الفلسطينيين هادراً قبل (أوسلو) هاتفين للأرض والوطن والثورة والعودة والتحرير ، وصاغوا من كلمات الحب والعشق والغضب ما يصل بين القلب والروح الفلسطينية الهائمة . ولكن أين هو الإبداع الفلسطيني المقاتل والملتزم ؟! وأين الزخم الأدبي والثقافي الممهور بالصدق العفوي وحرارة التجربة بحجم جبرا إبراهيم جبرا وغسان كنفاني ومحمود درويش ومعين بسيسو؟!.
في تقديري ، إن غالبية ما نشر وينشر من أدب فلسطيني بعد إوسلو ، يخلو من الإبداع ويفتقد إلى الحلم الثوري ، الذي يشكل أهم عناصر ومقومات العمل الإبداعي الحقيقي الصادق والناجح. وكل ذلك ناجم عن الانحسار الثوري والتراجع السياسي والإحباط النفسي وغياب الحلم ، نتيجة (أوسلو) الذي افرز واقعاً جديداً وخلق حالة ثقافية جديدة ، وانخرط الشعراء والكتاب والمثقفون الذين كانوا ينضوون تحت راية "الالتزام الثوري والهم الوطني والسياسي" و"المثقف العضوي" و"الوقوف عكس التيار" في مؤسسات السلطة ودوائرها ، مما افقدهم دورهم وعلاقتهم بالسلطة .
وغني عن القول ، لا مكان للمثقف والمبدع بين شعبه إذا كان خارجاً عن إرادته ، وبعيداً عن نضاله التحرري وثورته ، وغير ملتزم بأهدافه ، وغير مسكون بهمومه وعذاباته اليومية ، وهذا ما كنا نلمسه في الماضي والزمن الثوري الجميل لدى الأقلام الأدبية الفلسطينية المغموسة بالدم والعرق ، التي نذرت نفسها خدمة للشعب والوطن والقضية . وهنيئاً للكلمة الفلسطينية الحرة النظيفة الشريفة الهادرة الملتزمة والمقاتلة التي لا تساوم ، والتي تجرف في طريقها كل عوامل اليأس والقهر والإحباط.