أمّتي حرقت "معاذ" وانسلّت !..

بقلم: إبراهيم عمر المصري

انبرى، وما زال، كثير من المسلمين بعاطفة جياشة مبررة استنكار حادثة حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة على أيدي ما يسمى بـ (داعش)؛ وذلك في محاولة لتبرئة ساحة الإسلام من هذا الفعل الشنيع !.

ومن منطلق فهمي وإدراكي لطبيعة تعامل الأنظمة الحالية الحاكمة في الوطن الإسلامي والعربي من خلال تاريخها والمشاهدة، فإنني لا أشك البتة أنه -أي الكساسبة- سيغدو اليوم رمزا وطنيا في الدفاع عن حرمات ومقدسات الوطن والأمة !، متزامنة وإجراءات تغييبية أخرى تصرف الأذهان عن حقائق مؤلمة ويُعالَج فيها العرض ليبقى المرض الحقيقي يستشري في جسد هذه الأمة الإسلامية والعربية المكلومة.

وللأهمية والوضوح، فإني لا أجد نفسي ولا الدين الإسلامي العظيم الذي أحمله بين جنباتي يمثّل هذا السلوك أو يقبل به حتى، وأزيد أنني لا أجد نفسي مطلقا متهما به أو مدفوعا لتبرئة ساحي منه، بل وأكثر من ذلك فإني أحمّل الأنظمة الحالية الحاكمة وما تمثله من تيارات سياسية وفكرية المسئولية الكاملة عن هذه الظاهرة (القاعدة وبناتها) وكل نواتجها وآثارها.

نعم، ففي زحمة هذه العواطف الجياشة، فإن هناك أسئلة مبدئية مهمة عن أصل المرض والمشكلة لا بد وأن نتوقف عندها من قبيل:

* هل الظاهرة عرض أم مرض؟ وأيهما أولى بالمعالجة؟

* ما السبب في نشأتها؟ ومن المسؤول؟

* هل انبرينا لاستنكارها على أساس: وحدة الدين أم مشتركات الإنسانية؟

* وإن يكن هذا الأساس، فهل كان من بواكي للمحروقين قبلا في (غزة أبو خضير والمقاومة) ومن قبلهم في (مصر رابعة الإخوان والشرعية والسلمية) و (سوريا المعارضة) و (مسلمي بورما وأفريقيا الوسطى) و (مسيحيي نيجيريا) و (اليابان هيروشيما وناجازاكي) و (أمريكا الهنود الحمر) وما بينهم وقبلهم في التاريخ كثير وكثير؟

* هل التبس علينا القتلة من كلامهم ولباسهم؟ أو حتى اختلفوا عن بعضهم؟

* هل صار الإرهاب تهمة لصيقة بالإسلام، وكل الطهر في الأديان المحرفة الأخرى؟

* وغيرها من الأسئلة الكثير والأهم..

إن أدنى درجات الحيدة والموضوعية بل والدين أيضا أن ننظر لأنفسنا أولا فنتهمها في بلايا الزمان فينا. وحتى لا نبتعد كثيرا.. هل ما خفي عنا من صنيع حكامنا فينا ورأينا علاماته على أجساد الموحدين -أحياء كانوا أو خرجوا من عندهم أمواتا- بأرحم مما رأينا؟

لا والذي وضع الميزان، فما نراه اليوم إلا نزرا يسيرا من خبيئة قذرة لهذه الأنظمة وأعوانها مصداقا لقول الله تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس). إنني لست بهذا أبرئ ساحة قتلة الكساسبة الذين ظهروا في معرض الوحشية الإنسانية، ولكني أحاول جاهدا أن أعيد إشارة الأصبع إلى وجهة القاتل الحقيقي !.. فهل تُراه أشركاء نحن أم أصيلون ؟!.. هل يقودنا حكامنا إلى حيث الصواب أم لا ؟!.. فإن كان فالخير لمعاذ، وإن لم يكن فالمعاذ من ويل !.

إن هذا –برأيي- أولى بالمعالجة والتقويم من النحيب والبكاء بالرغم من فداحة المصاب.. وبذا يصحح المسار.

الكاتب/ إبراهيم عمر المصري، فلسطين، 4/2/2015م