يتساءل شاعر عن مصدر ثروة أحدهم فقال:
يا أيها المسئول!!!
دُلنَّي من أين أصبحتَ غني؟
لَمْ تهاجرْ ولم تتاجر ولمْ ترثْ
من أبيك أو جدك الفــــــذ غير الرَسَنِ
لو قضى والدكُم فيما مضى
غُرّمتْ بلـــــــدتُكم بالكَفَنِ
كانوا بالأمس القريب بيننا، يسكنون معنا، يأكلون مثل ما نأكل، ويشربون مثل ما نشرب، كانت لا توجد طبقية بيننا وبينهم أبدا، ولكن سبحان الله انقلبت الآية رأسا على عقب، بعدما دخلوا الحكومة وتبوءا مراكز متقدمة فيها، ومن ثم صعودهم للمواقع الأولى في الحكومة أو في السفارة أو في الجهاز القضائي أو الجهاز التشريعي، ومن ثم تزكيتهم لإمساك زمام الأمور في سدة الحكم في الوطن، فلم نعد نراهم إلا عبر شاشات التلفزيون والصحف والمجلات، لم نستطع نقول لهم السلام عليكم، أو يقولوا لنا وعليكم السلام، إلا قبل دخولهم السلك الحكومي أو الدبلوماسي والقضائي والتنفيذي أو العسكري بأيام قليلة، كتل خراسانية تحيط ببيوتهم بل يغلق الشارع من البداية والنهاية، وكابينة حراسات تحرسهم هم وعوائلهم وسيارات حديثة تلقي أتربتها علينا، وتطرش أبواقها آذاننا، رواتب كبيرة جدا تليق بهم وبأتعابهم ومشاغلهم، وبيوت فخمة ومخصصات شهرية أكبر ورواتب للحمايات والتي لك حق الاختيار بأن يضعوا الحمايات أم لا ؟
المهم أن هؤلاء المسئولين المتنفذون يستلمون رواتب الحماية وكذلك إيفادات خارج الوطن وغيرها من المزايا والامتيازات، التي تجعل منهم في طبقة وفي حالة تختلف عن الباقين، فوضعهم الاجتماعي اختلف جذريا، عن قبل فلهم الأولوية في كل شيء في كل دوائر ومؤسسات وهيئات السلطة، هم وكل أقاربهم ومعارفهم وأنسبائهم، يكفي أن تقول أنا من طرف الوزير أو الوكيل أو السفير أو المدير أو القاضي أو اللواء الفلاني، عندها سيضرب بالقانون عرض الحائط من أجل عيون هذا المسئول وأولاده وأقاربه، فلم يعد المسئول أول من يضحي وأخر من يستفيد، شعارهم أول من يضحي وفقط هو من يستفيد.
كنا نتوقع منهم أن يبقوا معنا يشعروا بما يشعر به الفقراء والمساكين والمسحوقين في وطننا، ويعيشوا كما يعيشوا ويتذوقوا طعم ومرارة من لا يستطيع دفع الإيجار الشهري ويشعروا بقيمة الراتب والراتب التقاعدي الذي لا يكفي لأسبوع، وهم حتى علاجهم تتكفل به الحكومة، خارج الوطن، فعلا فالدخول للحكومة أصبح مغنمه ليس لها مثيل، فمن يدخل لهذه البحبوحة سيخرج الفقر من بيته إلى أبد الآبدين، هو من يلوذ بعنايته فلا يوجد من يحاسبه أو من يقول له من أين لك هذا؟ وخير دليل الحصانة الوطنية، "حكومية كانت أو دبلوماسية أو تنفيذية" والتي تجعل منه فوق القانون بل حتى أن قسم من المسئولين المتنفذون، أساء استخدام هذه الفقرة بالذات، فجعلتهم يعملون ما شاء ويحلوا لهم، فإذا كانوا مسئولينا وقدوتنا نزلوا إلى هذه المرحلة، فلمن يشتكي الفقير البائس الذي لا يوجد فعلا من يخدمه بصورة عملية.
لم نسمع ولم نرى مسئولا في العالم يتقاضى راتبا شهريا ومخصصات شهرية ورواتب شهرية وامتيازات شهرية ومال للحمايات وهداية وبيوت سكنية وقروض ميسرة ومنح وقطع أراضي، بغض النظر عن الضوابط التي قسمت ظهر المجتمع التي تطبق على الفقراء وليس على المسئول، فأي دولة هذه التي تعطي المسئول أكثر مما تعطي الفقير، تعطي ممن لا يحتاج وتترك من يحتاج تقف مع المسئول على حساب الفقير، أي دولة هذه تزرع وتؤصل الطبقية التي كفر بها المواطن، مع الأسف بسبب هذا الإهمال المتعمد، لهذه الحالة نحتاج لمن يعالج وضعنا المأساوي، ونحتاج لصحوة الضمير التي تركتنا لغير رجعه، بسبب برنامج مسخ الضمير، نعم فعلا برامج وليس برنامج ما يتعرض ونتعرض له هي برامج مكثفة الغاية، منها زرع الهوى بين المجتمع هي كانت موجودة لكن ليست بهذه الكمية وبهذه الطريقة، بحيث وصل الأمر أن المسئول المتنفذ يتنصل من كلماته ووعوده وبسهولة، المهم فقط هو أن يصل لمبتغاة ومرامه وهدفه بأي وسيلة كانت وعلى حساب أي كان، وتحت شعار الغاية تبرر الوسيلة.
هنيئا لمن لهم مناصب متقدمة ومواقع متنفذه، فالشعب لا ينسى والتاريخ لا يرحم والفقراء والمتقاعدين والمسحوقين والأرامل والأيتام وأسر الشهداء وزوجات الأسرى وأبناء الجرحى والمعوقين وكبار السن وممن ليس لدية راتب ثابت شهري والطلاب الفقراء والعمال والفلاحين والصيادين والخريجين عينهم في عين الله، أو عليهم الرحيل لوطن يحكمه الضمير.!!!
بقلم / رامي الغف*
ناشط وباحث سياسي
[email protected]