واضح بان التفاعلات وصراع الأجنحة الداخلي في إطار حركة حماس بين محوري طهران- سوريا – حزب الله ومحور قطر – تركيا،قد تم حسمه لصالح التيار الأول بقيادة ضيف والزهار،وبما يمهد ويعبد الطريق لزيارة مشعل لطهران هذا الشهر وكذلك إستئناف الدفعات المالية من طهران لحماس،يدلل على مثل هذا التحول والحسم،حيث ان زيارة وفد حماس القيادي برئاسة ابو مرزوق الشهر الماضي لطهران،قد مهدت الطريق لتحقيق هذه المصالحة،ويبدو بأن حزب الله اللبناني وحركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية - القيادة العامة،قد لعبت دوراً هاماً في تحقيق تلك المصالحة،والمتوقع حضور كل من شلح وجبريل لها في العاصمة الإيرانية طهران هذا الشهر.
عودة حماس الى محور طهران- حزب الله بدون سوريا الآن،وهذه الإستدارة المتدرجة من حماس نحو هذا المحور،لكي تستطيع ترتيب اوراقها من جديد،وحتى تحفظ وحدتها الداخلية،فهناك من هو مع الإستمرار في بقاء حماس ضمن محور الدوحة – أنقرة،ولكن ما يحصل من تطورات وحراك سواء على صعيد حماس الداخلي،او في القطاع والعلاقة مع السلطة الفلسطينية،والتطورات الحاصلة عربياً في المحيط والفضاء الجغرافي الخارجي لحماس،لعبت دوراً مركزياً في حسم خيار حماس وتأرجحها،وكانت تصريحات ضيف القائد العام لكتائب القسام في ذكرى إنطلاقة حماس،والتي أشاد فيها علناً ومباشرة بدعم ايران للحركة،تطور هام جداً،حيث ان رئيس المكتب السياسي لحماس مشعل،قد تجاهل ذلك في خطابه بعد توقف الحرب العدوانية الأخيرة على مقاومتنا وشعبنا الفلسطيني،ووجه شكره لقطر وتركيا..
الأوضاع المالية الصعبة التي تعيشها حركة حماس،واحد من العوامل الهامة في هذا الحسم،فهي كانت تراهن على ان تقوم حكومة الوفاق الوطني،بدفع رواتب موظفيها آل(40000)،ولكن حكومة الوفاق كانت تربط ذلك بان تُمكن حركة حماس حكومة الوفاق من ممارسة دورها ومهامها ومسؤولياتها في القطاع،وان تتولى الإشراف على عمليات الإعمار،وكذلك الإشراف على المعابر،والسيطرة على الأجهزة الأمنية،ولكن حماس كانت تريد دوراً تشاركياً في هذا المسائل،وهذا عطل حل مسألة رواتب حماس،واندفعت الأمور الى عودة التحريض والتحريض المضاد،وكذلك الإتهامات والإتهامات المضادة بشكل سافر وخطر بين حماس والسلطة في رام الله،وعادت حالة الفوضى والفلتان الى القطاع مجدداً من خلال التفجيرات ل"كابينات" الصراف الآلي لبنك فلسطين،والتفجيرات التي طالت سيارات لقياديين في حركة فتح،وكذلك وكيل وزارة حكومة الوفاق للشؤون المدنية وغيرهم.
وليس هذا فحسب فعمليات الإعمار صارت ببطء شديد،وأصبحت اسرائيل المتحكم الأول والأخير فيها،من حيث دخول مواد الإعمار وكمياتها ونوعياتها ومراقبتها والإشراف عليها،وكذلك اموال الإعمار التي تم الوعد بها في مؤتمر القاهرة،لم يصل منها سوى النزر اليسير.
والشيء الأهم والأخطر من ذلك،هو قيام النظام المصري بتشديد الحصار على قطاع غزة،وتدمير عدد كبير من الأنفاق،وتطور حدة الخلاف والصراع مع النظام المصري بشكل حاد وكبير،على خلفية ما يجري من أعمال إرهابية في سيناء ضد الجيش المصري،وإتهامات النظام لحماس بالمشاركة فيها،ودعمها للمجموعات الإرهابية،وبعد الهجمات الأخيرة الكبيرة والواسعة،التي شنتها تلك الجماعات الإرهابية على ثكنات ومقرات الجيش المصري،مخلفة عشرات الشهداء من الجيش وأكبر بكثير منهم من الجرحى،وعلى ضوء ذلك إتخذت إحدى المحاكم المصرية بشكل متسرع واهوج،قراراً بإعتبار كتائب "القسام" حركة إرهابية،في قرار لا يخدم لا الشعبين المصري ولا الفلسطيني،بل يشكل ربحاً صافياً لحكومة الإحتلال وقوى الإستكبار والظلم العالمي،التي ستستخدم ذلك ذريعة لوسم نضالات شعبنا بالإرهاب،ويكون ذلك ذريعة وحجة لها لمواصلة ذبح شعبنا وإحتلال أرضنا والتنكر لحقوقه في الحرية والإستقلال وإنهاء الإحتلال.
وهناك تطور هام آخر سرّع في إتخاذ مثل هذا الحسم والخيار،ألا وهو المصالحة المصرية- القطرية برعاية سعودية،تلك المصالحة،وإن كانت لم تجر لها ترجمات حقيقة على الأرض،ولكنها تشعل الضوء امام حركة حماس،بأن تلك المصالحة والتي ستضغط السعودية ودول الخليج على قطر للإلتزام بها،ستؤثر وتطال حماس آجلاً ام عاجلاً،فحماس صحيح انها ليست حركة الإخوان المسلمين،ولكنها ترتبط بوشائج وعلاقات فكرية وأيديولوجية وتنظيمية وسياسية مع الإخوان المسلمين،وما سيطال الإخوان المسلمين من عقوبات،قد يصلهم،وقرار أحد المحاكم المصرية بحق كتائب القسام مؤشر خطر،وهذا يستوجب من حركة حماس،ان تراجع علاقاتها مع حركة الإخوان المسلمين،من حيث تعريفها لنفسها كحركة وطنية فلسطينية تقدم مصلحة الوطن على مصلحة الإخوان،وتقدم الوطني على الأيديولوجي.
يضاف لكل هذه العوامل،عدم تحقيق المصالحة الفلسطينية،ومراوحة حكومة الوفاق في مكانها،بل وإرتدادها خطوة للوراء،وتهديد حماس بتشكيل حكومة بديلة عنها،متهمة تلك الحكومة بالتقصير وعدم قيامها بواجبها ومهامها تجاه قطاع غزة.
حماس واضح بانها تعود وإن كان بالتدريج للمحور الذي خرجت منه،مضللة ومخدوعة من قبل المحور الذي إحتضنها،بأن أيام الرئيس الأسد باتت معدوده،وبأنه عليها ان تنجو بنفسها،وأن تحافظ على مصالحها،ولكن كل ذلك وبريق الدولار الذي أغرى قادة الحركة،قاد بها الى درب مليء بالتيه والتخبط،ولعل حماس ثابت الى رشدها،وادركت حجم المخاطر والمؤامرة التي يقودها المحور الذي ذهبت إليه.