ذاهبون نحو المجهول ..!

بقلم: أكرم عطا الله

إلى أين نحن ذاهبون؟ هذا هو السؤال الأكثر رواجا في غزة كمنطقة كل ما لديها هو فائض أحلام في مقابل فائض البؤس الذي يلفها، لا يصدق الناس أن كل هذه الحروب التي مزقتها وكل اتفاقيات المصالحة التي وقعتها الفصائل انتهت بهذا القدر من اليأس لتبقى معلقة بأمل قد يخرج من كل هذا الركام أو بكلمة تعدهم بهذا الأمل ينثرها بلا حساب أنبياء السياسة من قادتها ولكنها تغيب عن متنبئيها.

فالسياسة هي ابنة الواقع لا الخيال، ابنة الممكن لا الحلم، والواقع والممكن يتحالفان لينتجا أسوأ ما يعيشه المواطن الفلسطيني منذ عقود سواء على صعيد القضية أو على صعيد الحياة اليومية من انسداد للأفق السياسي أو  فقر مدقع يضرب الناس في أرواحهم وأبنائهم ومستقبلهم ووجودهم العابث في هذه المنطقة التي لم تكف الفصائل فيها عن العبث بهذا الشعب الذي يستحق إدارة أفضل، فحجم التضحيات أكبر كثيرا من مستوى ما وصل  أحوال الناس من ألم وإحباط وهذه المعادلة وحدها كافية للحكم على مستوى أداء المتصارعين على السلطة والمناصب والمعابر وكل شيء.
وحين تكون الإجابة عن سؤال الناس إلى أين ذاهبون، اللاشيء، أو البقاء والمراوحة وأن لا أمل للخروج من عنق الزجاجة، ولن يكون أي تغيير على الوضع القائم قريبا، لا يجد الناس سوى التضرع والدعاء حين يشعرون أن ظهورهم أصبحت للجدار والحقيقة أنها وصلوا إلى تلك المرحلة.
لا مخرج من عنق الزجاجة، لأنه ليس لدينا مشروع ونحن لسنا سوى صدى صوت للمشروع الفلسطيني لا نقوم سوى بردة فعل وليس بفعل، والحاصل أن إسرائيل تخوض معنا صراعا كبيرا مدججة بمخططات ونحن لا نعرف سوى المجهول، ننتظر الفاعل الإسرائيلي حتى نعلن موقفا في أفضل الأحوال وهذا الموقف في الغالب ليس سوى للمزايدة على بعضنا وليس تحديا حقيقيا لمشروع إسرائيل.
إسرائيل قطعت شوطا كبيرا في المشروع ضدنا ونحن قطعنا شوطا في إحداث التآكل لمشروعنا، نحن نحاول أن نتصدى لما خططت ونفذته إسرائيل وأخشى أننا لم نتمكن لأن الصراع الداخلي على السلطة استنزفنا إلى الحد الذي أصابنا بالعمى عما دون ذلك، والمشكلة أن كلا منا يوهم نفسه أن لديه مشروعا وطنيا فيما أننا نشهد تراجعنا وانتكاسنا ونرى أيضا تغول مشروع إسرائيل ونجاحها القائم على فصل غزة عن الضفة.
لقد نجح الانقسام وفشلت المصالحة، الوحيدون الذين نزلوا عن الجبل في ذروة المعركة فقط نحن ... والذين خذلوا رسول الله ولن تنفع كل المبررات الدينية والوطنية لما حدث ولما أسقط على الناس في غزة والذين منذ سنوات يتعرضون لأبشع أنواع الخنق والتضييق الخارجي والداخلي من إغلاق معابر وقتل للحريات واستنساخ مشوه ومكشوف لتجربة «داعش» في محاولة لابتزازنا وكأن هذا هو الحل.
إحدى مآسي غزة أن السنوات الثماني الماضية بحكم «حماس» وإغلاق المعابر حالت دون التمكن من تعليم أطباء جدد ودون أن يتخصص الأطباء فيها، ومع الزمن أحيل أصحاب الاختصاص للتقاعد وهكذا أصبحت مستشفياتها خالية من الكفاءات لنصحو على انهيار ليس مفاجئا في الصحة وفي باقي القطاعات الأخرى، ويبدو أن القائمين لا يعرفون ماذا تعني العزلة والانعزال عن العالم، ماذا يعني الانغلاق والانقطاع عن التواصل الحضاري والإنساني والذي يتجاوز الخسارات المعروفة سواء بالأرواح أو بالممتلكات بل يصل إلى مرحلة التشوه البشري والذي يحتاج إلى عقود لإعادة ترميمه فإنقاذ غزة وإخراجها من هذا الوضع ينبغي أن يكون المهمة الأولى للنظام السياسي الفلسطيني، ولمصر أيضا لأن الإغلاق لا ينتج سوى التخلف ولا أظن أن رام الله أو القاهرة سوى خاسرتين من استمرار الوضع.
وفي ظل الحديث عن أزمة غزة الدائمة والتي لا يعرفها سوى من يعايشها، هذه الأزمة التي استنزفتنا وحرفت البوصلة بعيدا عن الصراع الحقيقي على هذه الأرض ضد من يعمل ليل نهار لإنهاء الوجود الفلسطيني ووضعه في كانتونات معزولة وتجزئة وإقامة الكيان الفلسطيني في غزة بعد أن يكون قد صادر كل ممكنات إقامته في الضفة، واللافت أن هذا المشروع المرئي لنا جميعا في ظل إصرارنا على التعامي قد قطع شوطا في التحقيق ونحن قطعنا أنفسنا ومشروعنا وحلمنا وحاضرنا ومستقبلنا الذي بدا واضحا أنه يتجه نحو المجهول، فمن لديه برنامج حقيقي لاستقلالنا؟
هذه الأزمة الحقيقية، وهي مدعاة الإحباط لنا جميعا قلت لصديقي الكاتب: لماذا نستمر في الكتابة إذن؟ وكل المسؤولون يصمون آذانهم ويغمضون عيونهم ولا يقرؤون؟ قال، حتى نسجل أمام التاريخ أننا قلنا كلمتنا وحذرنا وصرخنا بأعلى صوتنا، قمنا بواجبنا ونحن نعرف أن ليس هناك من يسمع أو يقرأ، قال أحدهم في ذروة النقاش، لماذا أنتم متشائمون قلت، وظيفتنا أن نقرأ الواقع لا أن نستدعي الوهم وهذا هو الواقع دون تجميل غارق حتى أذنيه في الأزمات فإذا لم يستطع القائمون حل أزمة معبر يشكل طوق النجاة وبوابة السجن بالنسبة لغزة وسلم نجاتها ومفتاح حياتها وموتها هل من الممكن أن نتفاءل أكثر وكيف يكون ذلك ونحن نرى أن الإسرائيلي يتربص وقد نجح بإيقاعنا في هاوية السياسة.
المشكلة أن نتنياهو عائد من جديد على رأس السلطة في إسرائيل، وبعيدا عن الخوض في النسب والاستطلاعات، كل متغيراتها الثابتة تقول ذلك، وهذا هو رجل المراوحة كما يوصف في إسرائيل أي إبقاء الوضع كما هو عليه وتنفيذ المخطط الإسرائيلي بهدوء، إذن، نحن أمام استمرار لهذا الوضع لسنوات أخرى مثل ولايتيه منذ بداية 2009 أي استمرار الفصل بين أجزاء الوطن، سرقة الأرض في الضفة والحروب على غزة إذا جاز لنا أن نختصر سياسة نتنياهو فهل لدينا الجديد في مواجهة ذلك؟ الخشية أن السنوات القادمة بالنسبة لنا هي استمرار للسابق، كلام في المصالحة دون نتائج ومحاولة تصد عاجزة للاستيطان في الضفة وللعدوان في غزة، وفي كل مرة تنتهي الجولة بمصادرة أرض هناك وبدمار هنا في غزة يعيدها للبدايات ولمتاهة الإعمار والحصار والإغلاق وحديث الأزمات الذي لا ينتهي وكلما امتد الزمن تكون الأزمة قد تضاعفت ككرة الثلج بعد انحدارها.
قبل عام كان هناك سؤال في ذروة مفاوضات الأشهر التسعة، ماذا لو فشلت المفاوضات هل لدينا خيارات أخرى؟ اتضح أن إسرائيل كانت تعد للفشل وللحرب والأرض ولم يكن لدينا سوى محاولات تصد عاجزة والآن يعود السؤال: هل لدينا خيارات؟ الأمر بحاجة إلى نقاش كبير فعودة نتنياهو يجب أن تدعونا لذلك .. هذه المهمة الأولى بعد العمل على انعتاق غزة ...!
[email protected]

08 شباط 2015

صحيفة"الايام" الفلسطينية