كيف دمرت اتفاقية أوسلو

بقلم: مازن صافي

لقد كان الاحتفال المهيب في البيت الأبيض بحضور العديد من رؤساء العالم والذي تم فيه التوقيع على اتفاقية إعلان المبادئ "اتفاقية أوسلو" وقد بث مباشرة على شاشات العالم، الاحتفال كان بداية "الخدعة الأمريكية" نحو إنهاء صراع استمر مائة عام، وكان لاحقا الترجمة السافرة للانحياز الأمريكي لــ"إسرائيل"، واستمرار "الفيتو"، وأيضا كشف أن (إسرائيل) وبحكوماتها المختلفة، لم تكن مهيأة لأي إمكانية لإحلال السلام في المنطقة، بل كانت تجهز "تخدع" الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي لمسلسل مستمر من الإجرام والإرهاب والاعتداء على كل ما هو فلسطيني، وإنهاء مكونات السلطة الوطنية الفلسطينية، وصولا إلى منع قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين وحق تقرير المصير، ومما شكل "إعدام" لكل الاتفاقيات والتوقيع ومحاولات إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وهنا لابد من تسجيل أن بداية عودة القوات الفلسطينية، وقيادات وكوادر منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل أركان السلطة الفلسطينية بما يشمل الوزارات والمجلس التشريعي "البرلمان" والمطار وتنظيم معبري الكرامة والعودة، ووجود كوادر فلسطينية شرطية وأمنية فيه، كان كل ذلك إشارات إيجابية تعني السير قدماً في تنفيذ "الاتفاقية"، ولكن كل هذا بدأت (إسرائيل) في تدميره مع انطلاقة انتفاضة الأقصى، التي كشفت أن (إسرائيل) الدولة المارقة لا تحترم أي اتفاقيات أو أي مواعيد وتمنع نجاح أي إمكانية للسيادة الفلسطينية، وبل أدخلت الآليات الثقيلة والأسلحة المدمرة وبما فيها الطائرات الحربية واستباحة مناطق السلطة الفلسطينية (أ) وتدمير كل مقومات النظام الفلسطيني، وصولا الى اغتيال الرئيس الرمز الشهيد ياسر عرفات "أبو عمار" وما سبقه وما تلاه من تصفيه للقيادات الفلسطينية، وقتل المئات من أبناء شعبنا الفلسطيني وكان ميزان القوة يميل بصورة محسومة لصالح (إسرائيل) نتيجة الدعم الأمريكي المفتوح والضخم للجيش الإسرائيلي والتعويضات الدائمة للخسائر التي تكبدتها دولة الاحتلال جرَّاء البسالة والصمود والنضال الفلسطيني .

واليوم الحصار السياسي والاقتصادي يشمل كل مكونات الدولة الفلسطينية، ويبدو ذلك كعقاب لانطلاق القيادة الفلسطينية نحو المرجعيات الدولية، بعد أن فشل مراحل تطبيق "اتفاقية أوسلو" وهكذا بدأنا مرحلة جديدة، تترجم الحاجة إلى بدائل واقعية سياسية وعملية، تكشف أن (إسرائيل) غير مؤهلة لدفع استحقاقات السلام في المنطقة وتقوم بتدمير الأسس والأهداف التي قام عليها مؤتمر مدريد.

إن مؤتمر مدريد ترجم حجم الضغوطات والتحديات الهائلة التي عانت منها منظمة التحرير الفلسطينية في السنوات التي سبقت توقيع الاتفاقية، وكذلك علينا أن نعترف أن "اتفاقية أوسلو" كشفت أن أي "اتفاقية" ستوقع لاحقا مع (إسرائيل) يتوجب أن تكون من خلال مرجعيات دولية ملزمة ومستندة إلى القرارات الدولية وألا تكون الإدارة الأمريكية هي المرجعية الحصرية وذلك بسبب فشلها الكبير في ذلك وتسببها المباشر أو غير المباشر في تدمير مكونات "أوسلو" والانحياز السافر ضد الحق الفلسطيني وتطلعاته وحقوقه الوطنية المشروعة، واستمرار وتفاقم المشاكل في المنطقة .