البعض قد يعتقد بأن هذا العنوان نوع من "الفنتازيا" او الشطط و"التحشيش" الفكري،أو ان الكاتب يغوص في خيال وأحلام ليس لها وجود على أرض الواقع،ولكن انا ما تعودت عليه هو قراءة الواقع،والتحليل الملموس للواقع الملموس،من خلال معطيات محسوسة.
وخصوصاً أن المشاريع الإستعمارية المستمر طبخها تستهدف الأمة باكملها،وبما يقضي على الحوامل المركزية لمشروعها القومي،ويمنع إنبعاث أي وحدة وقومية عربية لمئة عام قادمة،ولعل من يطبخون ويحيكون هذه المشاريع،يدركون بأن العصب الرئيسي لهذه الأمة،والذي يمنحها لقب أمة عربية،هي العراق وسوريا ومصر،ولذلك المشروع يستهدفها بالأساس،وبالذات تدمير وفكفكة جيوشها،وتخريبها إقتصادياً ومجتمعياً،بالقضاء على إقتصادها ونسيجها الوطني والمجتمعي.
ولذلك عمد "برايمر" بعد إحتلال العراق الى حل الجيش العراقي" وأعاد بناؤه خدمة للمشروع الأمريكي على أساس طائفي ومذهبي،وما يمنع سقوط سوريا ويبقيها صامدة أمام حرب كونية تشن عليها هو جيشها العقائدي،وصلابة قيادتها،ومن هنا يجري العمل بكل الطرق للتخلص من النظام السوري كعقبة كأداء امام هذا المشروع،ومصر جار العمل على تدميرها وتفكيك مؤسستها العسكرية بمشاركة ما يسمى بقوى السلفية الجهادية والإخوان المسلمين الذين ينسقون مواقفهم مع امريكا.
المخطط الأمريكي- الإستعماري الأوروبي الغربي ضد الأمة العربية متواصل،مخطط يرسم في مطابخ البنتاغون والغرف المظلمة ل"السي آي آيه" والمخابرات الغربية وسفاراتها في الدول العربية،مخطط الفوضى الخلاقة،وادوات التنفيذ التوابع من مشيخات النفط والكاز في الخليج العربي وجماعة التتريك العثمانية ودولة "الكرودور"،مخطط يقوم على طرد وترحيل الأقليات الطائفية والمذهبية والأثنية،وما حصل مع مسيحيي الرقة والموصل والطائفة اليزيدية في العراق خير دليل وبرهان،وكذلك إنهاك وتدمير الأمة العربية من خلال الحروب والإقتتال الداخلي مذهبياً وطائفياً وقبلياً،وبعض السذج وعميان البصر والبصيرة يعتقدون بأن التحالف الخادع والمضلل الذي تقوده الولايات المتحدة ضد إرهاب "داعش"،هو من اجل القضاء على "داعش" التي رعتها وتمدها بكل مقومات القوة لخدمة اهدافها ومصالحها في المنطقة،فأمريكا طائراتها هي من تسقط المؤن والسلاح ل"داعش" في سوريا والعراق،وهي من تعطي دول التحالف،كما صرح وزير الدفاع العراقي إحداثيات خاطئة عن أماكن وجود "داعش" وتجمعاتها العسكرية،وحتى لا نبقى نفكر بعواطفنا وتأخذنا مشاعرنا بعد جريمة حرق الطيار الأردني حياً نحو الدعوة الى مشاركة القوات الأردنية في الهجوم البري لما يسمى بقوات التحالف،وبالتحديد على مدينة الرقة السورية،فلا بد لنا من القول بأن إسقاط الطائرة الأردنية وأسر الطيار الأردني جرى وفق مخطط مدروس،تشترك فيه أمريكا والغرب واسرائيل ومشيخات النفط ،فمن أسقط الطائرة الأردنية هي طائرة إماراتية،والإمارات علقت مشاركتها فيما يسمى بالحرب على "داعش" بسبب تسريب أمريكا خبر إسقاطها للطائرة الأردنية،وحرق الطيار الأردني حياً،ومنع إنقاذه،جاء بقرار أمريكي يمنع الأردن من التفاوض حول الطيار،والهدف هنا واضح،وفق المخطط المدروس جر الجيش الأردني لدخول منطقة الرقة بمساندة طيران التحالف وبخاصة دول الخليج. ويترافق هذا المشهد مع تمثيلية الهجوم على مواقع حدودية سعودية،والحرد الإماراتي مؤقت وشكلي،فهناك سرب من طائرات "أف 16" الإمارتية يرابط في الأردن للمشاركة في قصف "داعش" والطيران الأردني صعد من غاراته على مواقع "داعش"،ووزير الدفاع الأردني قال:- بأنه سيمسح "داعش" عن الوجود"،وهو يدرك بأن دفيئات "داعش" موجودة في الأردن.
ما يجرى الآن هو عملية غش كبرى في التاريخ،تسوّقها الإدارة الأميركية بالتعاون والتنسيق مع الحكام العرب،وتشترك فيها أوروبا و«إسرائيل»، والهدف واضح تقسيم وتجزئة وتفتيت وتذرير الجغرافيا العربية ،وإعادة تركيبها خدمة للمشاريع الأمريكية والإستعمارية الغربية في المنطقة،دويلات مذهبية وطائفية هشة مرتبطة بأحلاف عسكرية وإتفاقيات أمنية مع أمريكا والغرب الإستعماري،وفاقدة لسيطرتها على أرضها وقرارتها،وتدار إقتصادياً مباشرة من قبل المركز الرأسمالي العالمي في واشنطن،وبما يضمن بقاء "اسرائيل" قوية ومسيطرة.
إنّ الأردن اليوم في وضع خطير جداً،وجريمة حرق الطيار الأردني حياً،كان مخطط لها إثارة مشاعر وعواطف الأردنيين للضغط على رأس النظام وقيادته العسكرية للمشاركة في الحرب البرية التي يخطط لها "التحالف" ضد "داعش"، حرب هدفها التدمير النهائي لسوريا وإسقاط وفكفكة محور المقاومة،وتساوق النظام مع هذه الخدعة المضللة يعني بأنه يمشي على قدميه إلى حتفه. فالمساعدة العسكرية الأميركية البالغة 350 مليون دولار لن تغنيه وتسمنه. وهي في الواقع لا تشكل إلا رقماً ضئيلاً من الموازنة المرصودة لما يُسمّى محاربة «داعش» البالغة 8.8 مليار دولار يذهب أكثر من نصفها إلى «داعش» وأخواته بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
جميعنا يدرك تماماً بأن "داعش" التي ولدت من رحم "القاعدة" و"جبهة النصرة" التي ولدت من رحم "الجبهة الإسلامية" هي تسميات مختلفة وادوار مختلفة لجسم واحد.
إنّ إدخال الجيش الأردني سورية، وتحديداً الرقة، يؤدّي بالتأكيد إلى استنزافه إنْ لم نقل تدميره، ليس فقط من ناحية عسكرية بل بنيوياً، كونه جيش يقوم على الولاء للملك ولا يحمل ميزات الجيش العقائدي تماماً كوضع الجيش اللبناني، فكلاهما يقومان على توازنات داخلية، دقيقة ومعقدة. فإضعاف الجيش الأردني يعني وبكلّ بساطة تأمين مشروع الترانسفير الصهيوني،وإضعاف الجيش اللبناني يؤدّي إلى مشروع التوطين.
لقد تورّط الأردن بما فيه الكفاية، وتورّط لبنان فوق طاقته. وبالتأكيد لن تدفع أميركا من حسابها وحساب مصالحها، بل سيكون الدفع على حساب الدول الهامشية في نهاية المطاف.