تستمر الحملة الاستيطانية على التراب الفلسطيني وتاخذ منعطفا نوعيا عبر وتيرة متسارعة والتي تحاول استباق الزمن والوقائع سواء في القدس التي تتغير معالمها يوميا ويتم قضمها شبرا شبرا او في الارض المحتلة عموما والتي يلتهمها الاستيطان ويقطع اوصالها بنمو سرطاني متصاعد بينما تبقى الاستحقاقات الفلسطينية ومحاولات تنفيذها بين اخذ ورد تتجاذبها المراوغة والتسويف والمماطلة واسثمار ضعف الادارة الامريكية والكيل بمكياليين.
فالشعب الفلسطيني تعرض لظلم تاريخي مؤلم وفادح بسبب تنافس وتآمر القوى الاستعمارية في المنطقة وهو يناضل منذ عقود طويلة من اجل التحرر والاستقلال وعانى وما زال يعاني من اشد سياسات الاضطهاد والتمييز العنصري جراء استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأرضة ومقدساته.
هذا الاحتلال البغيض هو آخر احتلال عسكري استيطاني في هذا العالم وعلى مدار كل هذه السنين مارس وما زال يمارس كل أشكال القمع والقهر والتعذيب والقتل والاغتيال والتهجير القسري ضد الشعب الفلسطيني من اجل اخضاعة وفرض الحل الذي يشرع ويكرس الاحتلال باستيطانه وقوانينه لأرضه ومقدساته وثرواته.
فمنذ اندلاع الانتفاضة المباركة وحتى يومنا هذا والشعب الفلسطيني الأعزل يواجه أوسع عمليات القتل الجماعي والقصف الهمجي وذلك كله مترافق مع إغلاق محكم وضعت الاله العسكرية الإسرائيلية بمقتضاه أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني تحت حصار خانق.
فإسرائيل سلطة احتلال انتهجت سياسات التمييز العنصري التي ترقى إلى مستوى الجرائم التي ارتكبت في مناطق معينة من العالم فبالإضافة إلى احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية بالقوة في عدوان عام 1967 عملت حكومات اسرائيل المتعاقبة على فرض الامر الواقع من خلال القوة العسكرية دون وازع من ضمير او رحمة.
يأتي هذا العدوان المتواصل في وقت بالغ الحساسية والدقة وفي مواجهات لتحديات كثيرة لم تعد تصيب طرفا عربيا دون الآخر وإنما تواجه الأمة بأسرها وتمس أقدس مقدساتها وتهدد بالخطر كل مكتسباتها وأهدافها القومية. خاصة وان مصيرنا واحد ومشترك منذ الأزل وان ما يجمعنا ويوحدنا هو رباط قوي وعرق ثابت ،انه رباط الدم والعقيدة والتاريخ والجغرافيا والرسالة الواحدة الخالدة.
إن جميع القمم العربية التي انعقدت كانت دائما المبادرة لرفع لواء السلام الدائم والعادل والشامل وهي صاحبة المشروع الأرقى والاهم للسلام في الشرق الأوسط خاصة بعد مؤتمر مدريد للسلام وإذا كان جزء من السلام الشامل والعادل قد تحقق بالفعل على أجزاء من أرضنا العربية العزيزة على قلوبنا إلا أن ما تبقى من ارض تحت الاحتلال في فلسطين وسوريا ولبنان جعل من قضية السلام في الشرق الأوسط قضية دائمة.
لقد اظهرت الادارة الامريكية ضعفا يضاعف من مساوئ انحيازها وعدم نزاهتها ما يجعل الانسان الفلسطيني والعربي امام السؤال حول اسس العلاقات مع الولايات المتحدة وافاقها ومدلولاتها وهي تحاول اجراء الترتيبات الاقليمية من خلال خلق "شرق اوسط "جديد على مقاسها والتي تضمن مصالحها بدون الاعتبارات الاخرى بل وبدون اعتبارات هذه المصالح بشكل موضوعي اذا ما قيس الامر بعامل كيان الاحتلال.
من هنا لا بد من وقفة تجاه الانحياز الامريكي وضعف ادارتها في ان واحد وفي ظل اجواء مماطلة ومراوغة حكومة نتن ياهو حيث نجد ان الولايات الامريكية في بعض المواقف المفصلية تتبنى طرح حكومة نتن ياهو المختل اساسا حتى لديها من خلال مخالفتة للاتفاقيات وطرح الافكار المنطلقة تماما من موقف الاحتلال الاسرائيلي.
ان نتن ياهو وضعف الادارة الامريكية حيال كيان الاحتلال يضعفان الامور في طريق مسدود ويفرضان مرحلة التضحيات والالام.
اذا لابد من مراجعة الحسابات ذاتيا واقليميا ودوليا ونحن في هذا الاتجاه نؤكد اذا كان علينا في الاتجاه الذاتي ان نهيء انفسنا لكل الاحتمالات فيجب في الاتجاه الاقليمي اقامة معادلة جديدة عربية اسلامية تؤدي الى قرار عربي موحد يضع استراتيجية عمل جديد فالاخطار تهدد الجميع وليس اولها فلسطين وانما سوريه ولبنان ومصر واليمن والعراق.
كذلك لابد من دخول اطراف دولية جديدة "كتركيا وروسيا وفنزويلا واسبانيا وفرنسا وبولندا وبلجيكا والسويد واستراليا والمانيا واليونان" على المعادلة بفاعليه وعلى قاعدة الانصاف.. في غمار ذلك لابد من المصارحة ان الاولوية بالنسبة لنا هي في البعد السياسي اي في مواصلة النضال ضد الاحتلال وفي مواصلة العمل لتنفيذ الاستحقاقات الفلسطينية واهمها وقف الاستيطان وتحرير الاسرى وعودة الاجئيين المشردين وصولا للدولة الفلسطينة المستقلة وعاصمتها القدس.
إن الكل العربي بجماهيره وأحراره وشرفاءه يترقبون القرارات الجريئة من زعمائهم ويعلقون عليهم اكبر الآمال والتطلعات فهم يدعوهم إلى وقفة تتماثل مع طموحاتهم القومية وتتوقها لرؤية واقع عربي جديد، واقع يقوي الإخوة العربية ويعيد الوزن والفعل العربي الحقيقي إلى مكانته المؤثرة في معادلة القوى الإقليمية والدولية في زمن لا تسمع فيه سوى كلمة الأقوياء ولا تحترم فيه إلا إرادة الأقوياء.
*"اخر الكلام"
من جراحنا نرى ملامح الغد ونحن اولى بصياغة فجرنا لاننا صلينا لبزوغ الفجر
بقلم/ رامي الغف*
صحفي وباحث سياسي
[email protected]