واضح بأن المخطط المرسوم للمنطقة العربية،قد دخل طوراً جديداً،حيث كانت تمارس ضغوط كبيرة على النظام المصري للدخول في ما يسمى بالحرب على "داعش" وفق الشروط الأمريكية،ولكن النظام تجنب ذلك والدخول في الفخ الأمريكي،ولكن يبدو ان تركيا المشغل الرئيسي ل"داعش" وقطر الممول الرئيسي لها،تسعيان الى جر مصر الى حرب استنزاف طويلة تشغل مصر والجيش المصري،تشغل مصر عن تثبيت وتعزيز تفاهماتها مع روسيا،وتشغل الجيش المصري على أكثر من جبهة،فهناك جبهة سيناء،حيث دفيئات الإرهاب يجري تسمينها وتخصيبها وتسليحها ،لكي تشكل تحد مباشر للجيش المصري......ليبيا ساحة الحسم بين محور قطر- تركيا - الإخوان المسلمين والنظام المصري،وأحسب بأن ليبيا هي التي ستشكل الخطر المباشر على الأمن القومي المصري،وعلى المنطقة برمتها،وخصوصاً بعد سقوط نظام القذافي،ومن ثم تحول ليبيا الى دولة "فاشلة"،حيث العشائر والقبائل والمليشيات المسلحة والإستخبارات من كل الدول تتصارع هناك،في ظل غياب للدولة المركزية.
الضربات الجوية التي قامت بها الطائرات المصرية لمعسكرات "داعش" لن تاتي ثمارها،حيث ان تأثير ذلك سيكون محدوداً جداً،وعملية برية فيها مخاطر كبيرة،لجهة الخطر على العاملين المصريين في ليبيا،وإتساع مساحة ليبيا التي تمكن الجماعات الإرهابية من الحركة والإختباء،وأفاق الحل في ليبيا ليست قريبة،حيث لا توجد سلطة مركزية ولا مؤسسات مجتمع مدني،دولة تحولت الى ميلشيات وعصابات وعشائر وقبائل تتسلح وتتغذى وتوجّه وتدار من أكثر من طرف،وبنادق مأجورة تعمل لحساب من يدفع لها او يحقق لها مصلحتها وأهدافها،كما هو الحال في الصومال،والسيطرة على النفط تشعل فتيل الأزمات والحروب والصراعات القبلية والعشائرية.
المطلوب ان لا يكون هناك آفاق للحل لا في العراق،حيث حروب امريكا على "داعش" تجميليه،فهي تريد لها ان تستمر في إنهاك الدولة العراقية،وتحويل مسلسل التقسيم والتفتيت الى واقع،وان لا يكون هناك جيش عراقي قوي،وكذلك في سوريا يستمر ضخ العصابات وخزان الوقود البشري من مختلف دول العالم،حتى لا تستعيد سوريا عافيتها او تخرج من ازمتها. هذا المشروع وهذا هو المخطط الأمريكي للمنطقة.
مشكلة النظام المصري مركبة،هناك اخطار داخلية وهناك اخطار خارجية،تستهدف الأمن القومي المصري وجيش مصر وسيادتها ودورها وموقعها العربي والإقليمي،النظام حتى يتفرغ لمواجهات الأخطار الخارجية المحدقة به داعش" واخواتها في ليبيا او سيناء وغيرها،بحاجة الى أن تكون اوراقه الداخلية مرتبه،فهو لن يستطيع ان يواجه المخاطر الخارجية بمعزل عن مصالحات سياسية بين كل مكونات ومركبات المجتمع المصري،وبالذات جماعة الإخوان،والتي اذا لم يجر تحييدها ستصبح جزءاً فاعلاً من المشروع المعاد،وهو كذلك بحاجة الى تصحيح علاقات الخارجية،وبالذات مع الدول الخليجية وسوريا،فهي بحاجة لكي تدعم وتوثق علاقاتها مع سوريا،لأنها جزء أساسي في محاربة الإرهاب و"داعش"،وقوة مصر من قوة سوريا،وعليه كذلك ان يحد من نفوذ السعودية والإمارات في الشأن الداخلي المصري،اللتان تستغلان المساعدات المالية المشروطة المقدمة لمصر من قبلهما،لكي يبقى النظام المصري في دائرة تحالفاتهما،وأيضاً يجري توظيف النظام المصري وجيشه خدمة لمصالحهما في المنطقة،فنحن نرى بعد سيطرة الحوثيين على الأوضاع في اليمن،أن السعودية ودول الخليج تدفع تجاه تدخل عسكري مصري في اليمن،وهذا يعني تورط مصري هناك وإنهاك للجيش المصري وحرف لإتجاه البوصلة،فالخطر الإستراتيجي ليس من اليمن على مصر بل من جبهتين ليبيا والقوى الإرهابية والتكفيرية المتواجدة على أرضها،والتي ستشكل حدودها الطويلة والمفتوحة الطريق السالك لضخ التكفيريين والإرهابيين من مختلف الجنسيات كما هو الحال في سوريا،والعدو الرئيسي والإستراتيجي على مصر والأمة العربية،هو اسرائيل بلا منازع،وهذا يجب ان لا يغيب عن بال القيادة المصرية أبداً.
لا يحق للنظام المصري أن يتورط مرة ثانية في اليمن،كما تورط الراحل عبد الناصر،والمفارقة أن عبد الناصر تدخل في مصر ضد الحلف السعودي الخليجي أنذاك،واليوم السيسي يجهز جيشه للتدخل نصرة للسعودية وعربان الخليج ضد الحوثيين بعد سيطرتهم على الحكم هناك،والإطاحة بنظام الفساد والقمع الذي رعته السعودية.
مصر في دائرة التهديد والخطر،وما يجري في سوريا يجري نقله الى مصر،وبنفس الأدوات والشركاء جماعة التتريك والخلافة حاضنة الإخوان المسلمين،وقطر ومعها مشيخات نفطية اخرى،تلعب دور المغذي والمسلح،وصاحب المشروع هو امريكا،ومقاوله الرئيسي المشغل تركيا،والطريقة التي يدير فيها السيسي الأزمات الداخلية والخارجية، لا توحي بأن مصر قادرة على معالجة ازماتها،فالفشل في الداخل سيعكس نفسه على الخارج،السيسي بحاجة لتوحيد واصطفاف كل المركبات السياسية خلف خططه من اجل التصدي للإرهاب،الذي قد يدمر المجتمع المصري ويفككه،والحل ليس بالإعدامات بالجملة،او إعتبار حركة الإخوان او كتائب عز الدين القاسم حركتين إرهابيتين،بل لا بد من حوار جاد وحقيقي،حوار يمكن من إستعياب الإخوان وعودتهم للمشاركة في الحياة السياسية،وتصحيح العلاقة مع قطاع غزة وحركة حماس،على قاعدة عدم تدخل حماس في الشأن الداخلي المصري،وأن لا تكون سياساتها ومواقفها صدى وظل لسياسة الإخوان،فمصر نحن بحاجة لها كلفسطينيين جيشاً وموقفاً وجغرافيا وعمق إستراتيجي.
على مصر ان لا تتورط في ليبيا منفردة لمحاربة الدواعش والإرهاب،بل يجب ان يكون إرادة دولية وقرار دولي جماعي،بمحاربة الإرهاب في ليبيا،والعمل على تشكيل حكومة مركزية هناك،تستعيد وحدة البلاد ووحدة مؤسساتها بعد أن أصبحت واحدة من أكبر دفيئات الإرهاب في العالم.
بقلم/ راسم عبيدات