في ذكرى الثورة الإسلامية في إيران هذا العام ، أجدد الدعوة للتأمل و لتنشيط الذاكرة ، لمن نسي أو تناسى أن الشعوب الحية لا تموت و أن الإرادة الإنسانية لا تنكسر. ولعل هذا الموال الشعبي الفلسطيني – عنوان الرجولة – فيه الرسالة :
أعْذبْ شُكرْ للوفي يا زينْ مِقدارُه !
يُومِنْ يفي بِالوعِدْ، وِيْنفذْ قٌرارُه !
ترى الصّدِقْ يابويْ عنوان الرّجولِة
إذا شّحّ الصّدِقْ فَقدَ الوطنْ نُوٌارُه!
بعد مرور ستة و ثلاثين عاما على هذه الثورة ما كل ولا مل الإيرانيون من ترسيخ مشروع العلم و التقدم و النجاح في الداخل و مشروع المقاومة في الداخل و المنطقة و نصرة حقوق الشعوب المستضعفة في العالم وهم صدقوا في مشروعهم و فعلهم .
لا نأتي بجديد عندما نقول إن الحادي عشر من فبراير/ شباط شكل منعطفا في تاريخ إيران والعالم من الناحية السياسية، حيث تحولت إيران من شرطي المنطقة وحليف لأميركا إبان النظام الشاهنشاهي إلى قوة مناهضة للصهيونية و للامبريالية والرأسمالية عقب انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني الراحل .
صدق إيران يتكرس اليوم أكثر فأكثر في الوقوف إلى جانب الأمة العربية في مقاومة عدوان "الربيع العربي " الذي جاء امتثالا لنظرية "الفوضى الخلاقة" و لمشروع "الشرق الأوسط الجديد أو الكبير" .
أربع سنوات و تدمير الذات العربية مستمر بأيد عميلة تنفيذا لاملاءات أصحاب المشاريع المذكورة ، إلى جانب محاولات تشويه الصورة الحقيقية للمقاومة العربية و حلفائها في المنطقة و العالم ، و لعل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها إيران أوضح دليل على أهداف أنظمة الاستبداد العربية و معها أهداف الكيان الصهيوني و الولايات المتحدة و كثير من الدول الغربية المتحالفة معهما .
من لم يفهم أو لا يريد للفهم أن يشق طريقه إلى عقله و دواخله أقول إن انتصار الثورة الإسلامية في إيران ، جاء نعمة على العرب و المسلمين و على المستضعفين في العالم ، و نقمة على كل من يتربص بهؤلاء قتلا و تدميرا و تشريدا و انتهاكا لأوطانهم و حقوقهم و إنسانيتهم . تجربة ستة و ثلاثين عاما كانت أكثر من كافية .. كانت دليلا دامغا على ما سلف و من يشككون في ذلك أقول لهم هاتوا برهانكم ،حتى الذين رفسوا بأرجلهم نعمة هذه الثورة و انتقلوا إلى جبهة الأعداء بمختلف صنوفهم و شدة بطشهم و جبروتهم .
ولأن الثورة الإيرانية هذه حقيقتها فان جبهة الأعداء توسع دائرتها وتتوعدها بحرب عالمية في المستقبل ، الأمر الذي يعيه الإيرانيون و حلفاؤهم . و أما الرد المحتمل فقد جاء على لسان نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي ، "تدمير حاملات الطائرات الأميركية في الخليج والاستيلاء عليها" في حال حدوث الحرب . مضيفا "لقد رسمنا فرضياتنا الإستراتيجية العسكرية على أساس احتمالية المواجهة مع تحالف عالمي.. وهذه فرضية مفروغ منها في إستراتيجية الحرس الثوري" و قال: "جعلنا القدرة الهجومية للعدو أساسا لبناء قدراتنا الدفاعية، وعلى سبيل المثال جعلنا حاملات الطائرات الأميركية رمزا للقدرة العسكرية أو ما يعرف بـ"هيبة أميركا"، فحاملات الطائرات هذه تُعد قاعدة جوية عائمة تحمل ما يتراوح بين 70 و80 طائرة حربية وتضم نحو 5000 عنصر عسكري".
وتابع سلامي : "كنا مضطرين لتبني فرضية تدمير حاملات الطائرات هذه أو الاستيلاء عليها، وعندما جعلنا هذا الجزء من قدرة العدو معيارا لمخطط تطوير قدراتنا، اندفعنا للبحث عن خيارات تمكننا من التحرك بموازاة وبكفاءة قدرة العدو، بل وتمنحنا القدرة على وضع نهاية لقصة حاملات الطائرات على أرض الواقع" .
الحقيقة أن هذا الرد سيكون جزءا من الرد الإيراني الشمولي ،عسكريا و سياسيا و اقتصاديا و فكريا و ثقافيا و اجتماعيا وتكنولوجيا وعلميا و في الفضاء وفي جوف الأرض و كذلك أعماق البحار و المحيطات ... الخ
هذا الرد لا بد أن يتحالف معه كما في السابق رد المقاومات المتعددة في العالم و رد الدول الشقيقة و الصديقة ، حيث المشروع واحد و حيث الطريق واحد و حيث الهدف واحد ، يتمثل باستعادة الحقوق المغتصبة و نهضة الأمم المستضعفة و تكامل الحضارات الإنسانية .
ينبغي بالضرورة أن تكون انجازات الثورة الإسلامية في إيران مصدر الهام لكل طالب حرية و ديمقراطية وعدالة و استقلال ناجز و تقدم فعال في العلم و المعرفة و قبل ذلك الدفاع عن الحقوق المغتصبة .
العرب أحوج ما يكونون اليوم إلى دروس و عبر هذه الثورة و التحالف معها وصولا لتحقيق مع سلف ، و إلا فان مصير العقل العربي ، اليباس إن لم يكن الموت ، لأن العربي الجيد هو العربي الميت ، في تكتيك و إستراتيجية الحركة الصهيونية و حلفائها .
نعيم إبراهيم