السياسة الاقتصادية الفلسطينية: بطة عرجاء وبعين واحدة !!

بقلم: حسن عطا الرضيع

يُعتبر الاقتصاد الفلسطيني الوحيد في العالم الذي يفتقر لوجود سياسة اقتصادية , حيث لا زال يعيش على جملة من التناقضات التي أرهقت وكبحت نموه, وكانت سبباً للتراجع المستمر وأخرها ما أعلنه البنك الدولي عن معاناة الاقتصاد الفلسطيني عام 2014م من انكماش اقتصادي هو الأول من نوعه منذ العام 2006 وبلغ 1% مقارنة بالعام 2013 وكان نصيب قطاع غزة الأكبر حيث انكمش الناتج المحلي الإجمالي بحدود 15% بسبب العدوان الإسرائيلي الأخير المعروف بالجرف الصامد والذي أودى بحياة 2147 فلسطيني و11 ألف جريح وخسائر اقتصادية اقتربت من 5 مليار دولار ( بلغ سكان قطاع غزة في نهاية العام 2013 حوالي 1.731 مليون نسمة وشكلوا 38.6% من سكان الأراضي الفلسطينية ( الضفة وغزة بدون مدينة القدس العربية, ويشكلوا 14.66% من مجموع الفلسطينيين البالغ تعدادهم 11.807مليون نسمة), هذا التراجع في الاقتصاد الفلسطيني واستمرار حالة الركود الاقتصادي وتفاقمها في الشهور الأخيرة ناجمة عن الأزمة المالية التي تعانيها السلطة الفلسطينية بسبب حجز إسرائيل لضرائب المقاصة مع الفلسطينين, وهذا يعني أن المورد الرئيسي والاعتماد الأساسي للسلطة الفلسطينية يكمن في تلك الضرائب وهي الضرائب غير المباشرة المفروضة على السلع المستوردة الأساسية وغير الأساسية والتي يتحملها الفقراء وأصحاب الفئات المُهمشة في الأراضي الفلسطينية, تلك الضرائب المرتبطة بالاقتصاد الإسرائيلي هي النقطة الأكثر تأثيراً في الواقع الاقتصادي والمعيشي في الأراضي الفلسطينية, وخلافاً لمعظم الدول في العالم التي تعتمد على الضرائب في تمويل نفقاتها فإنها تعتمد أكثر على ضريبة الدخل المباشرة وفي الأراضي الفلسطينية لا تُشكل إلا نسبة ضئيلة رغم أهميتها وقدرتها على التقليل من عجز الموازنة الفلسطينية وتحقيق مزيداً من العدالة الاجتماعية وتقليل حدة التفاوت بين الشرائح المجتمعية, حيث تعتمد موازنة السلطة الفلسطينية والتي تزيد عن 4 مليار دولار ومُتوقع لها أن تحقق عجزاً بحدود 700 مليون دولار للعام 2015م , على المساعدات والمنح الخارجية التي تشكل قرابة 60% من إجمالي الإيرادات الكلية للسلطة الفلسطينية وعلى ضرائب المقاصة التي تتراوح شهرياً من 180-150 مليون دولار في حين لم تتجاوز الضرائب المباشرة على الدخل شهرياً 25 مليون دولار, وبذلك فتشكل الضرائب غير المباشرة 6 أضعاف الضرائب المباشرة وهذه ظاهرة نادرة من نوعها وتشكل إشكالية كبيرة في حال استمرارها وعائق رئيسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية , وإضافة لتلك الإشكالية فهناك التهرب الضريبي والجمركي والذي يزيد سنوياً عن 700 مليون دولار ويشكل 10% من إجمالي الناتج المحلي وفي حال احتساب قيمة الاقتصاد غير المنُظم ( الخفي) فإنه يشكل أضعاف ذلك , كذلك التناقض المتنامي للسياسات المتبعة بين الضفة الغربية وقطاع غزة فعلى الرغم من تزايد المطالب بتفعيل الثورة البيضاء ( المقاطعة الفلسطينية للمنتجات الإسرائيلية وإيجاد البديل المحلي لها) فإن حكومة غزة المقالة سمحت بإدخال بعض السلع والمنتجات الإسرائيلية والتي يوجد لها بديلاً محلياً في قطاع غزة ولهذا القرار مخاطر على الاقتصاد الفلسطيني تتمثل في تراجع الإنتاج الوطني واستمرار التبعية للسوق الإسرائيلي , وفي سياق أخر وفي اتجاه معاكس تزايدت الواردات وتقلصت الصادرات الفلسطينية بعد انتهاء الحرب الأخيرة على غزة رغم ازدياد المقاطعة الاقتصادية عالمياً, وتكمن المشكلة في زيادة الواردات في ظل الأولوية في الوقت الراهن لإحلال الواردات , حيث تساهم تلك العملية بإيجاد البديل المحلي للمنتج الإسرائيلي وما يترتب على ذلك من زيادة الإنتاج وتوفير فرصاً للعمل وكذلك زيادة الإيرادات الضريبية للسلطة الفلسطينية , ومن المشكلات الراهنة كذلك الإفراط في الإنفاق العام وعند النظر ببنود الموازنة فيتضح أنه من الضروري إتباع سياسة تقشفية في بعض البنود بحيث لا يتأثر المواطن الفلسطيني من تلك التقليصات, ويمكن بذلك إحداث تقشف ببعض بنود النفقات الجارية بحدود تتراوح 300-200 مليون دولار سنوياً ويمكن بها تمويل مشاريع تنموية أخرى في نفس الموازنة كدعم إعانات البطالة ودعم برامج الحماية الاجتماعية, وتشكيل صندوق بهذه المبالغ لتقديم تسهيلات للقطاعين الزراعي والصناعي وغيرها من المشاريع الصغيرة والتي تحد من مشكلتي البطالة والفقر, وعليه وخلال السنوات السابقة وبسبب استمرار العجز في الموازنة الفلسطينية فإن ذلك يتطلب من السلطة الفلسطينية اعتماد سياسة اقتصادية متوازنة لتحفيز النمو الاقتصادي وكبح جماح المعضلات القائمة ومن تلك السياسات :

- إعداد موازنات تنموية متوازنة تنحو نحو العدالة الاجتماعية كأس لأي سياسة اقتصادية , عبر ازدياد اعتمادها على الإيرادات الضريبية كفرض ضرائب مباشرة على الدخل وتحديداً على أرباح الشركات, منع التهرب الضريبي والجمركي, مراقبة الأسواق, فرض ضرائب تصاعدية للدخول ووضع حد أدني وأقصى للرواتب والأجور, فرض ضرائب على الصفقات العقارية , وكذلك ضرائب على استهلاك السلع الكمالية والفاخرة.

- إعادة النظر ببعض بنود اتفاقية باريس الاقتصادية وتحديداً قضية الضرائب المقاصة والتي تقوم إسرائيل بحجزها وخلق أزمات مالية للسلطة لابتزازها سياسياً , وضرورة التوجه للبديل العربي في التجارة الخارجية.

- تفعيل حملات المقاطعة الوطنية للمنتجات الإسرائيلية ودعم المنتج الوطني بتقديم كافة التسهيلات له, وإصدار قوانين لدعم وتحفيز الاستثمار في الأراضي الفلسطينية .

- ضرورة إسراع السلطة الفلسطينية للضغط الدولي على إسرائيل للاستفادة من الموارد الفلسطينية التي تُسيطر عليها إسرائيل وتحديداً مناطق c بالضفة الغربية والتي تحتوي على قرابة 60% من موارد الضفة , إضافة لضرورة استغلال حقل الغاز المُكتشف عام 1999 على بعد 30 كيلو متر على سواحل قطاع غزة والذي يقع بالكامل في السيطرة الفلسطينية , وهذا الحقل يكفي الأراضي الفلسطينية ل 25 عام قادمة , ويحتاج لاستثمارات تزيد عن 1.5مليار دولار ويعتبر مورداً مهما للسلطة الفلسطينية في حال الاستغلال الجيد .

- الإسراع في إعادة إعمار غزة , وأن تكون عملية البناء تنموية وليست إغاثية فقط, وهذا يقع على عاتق السلطة الفلسطينية بضرورة الاهتمام بالبعد الاقتصادي والتنموي لعملية الإعمار.

- فرض قيود على الجهاز المصرفي الفلسطيني بضرورة استثمار الودائع الفلسطينية والتي تقترب من 10 مليار دولار في الاقتصاد الفلسطيني .

- إنشاء صندوق للمساهمة الاجتماعية برأس مال محلي , من خلال أن تتكون موارده المالية من نسب أرباح معينة تضعها السلطة على الشركات المساهمة العامة , ويختص هذا الصندوق بإنقاذ ودعم القطاعات الاقتصادية المنتجة كالزراعة والصناعة وبعض الخدمات التقليدية والتي تقلل من معدلا ت البطالة السائدة والمرتفعة نسبياً حيث تبلغ 42.8% في قطاع غزة.

- العمل على حل التناقض في السياسات الاقتصادية الفلسطينية المتبعة وتحديداً المتعلقة بالضرائب والمقاطعة , والبحث في أسبابها ونتائجها, وسبل علاجها في ظل الموارد والإمكانات المُتاحة.

ومن نافلة القول فيمكن اعتبار السياسات الاقتصادية التي أتبعت في الأراضي الفلسطينية خلال الفترة السابقة بأنها لا تخرج عن كونها مثلت دور البطة العرجاء ذات العين الواحدة, حيث لم تتعامل بمنطق العقلانية والاقتصاد ببعض القضايا المهمة ومنها قضية التنمية الاقتصادية, واستثمار الموارد المالية المحلية كالودائع الموجودة بالجهاز المصرفي والتي تزيد عن إجمالي الناتج المحلي والدين العام, وكذلك التناقض في شكل وجوهر الإيرادات العامة لها والاعتماد على محورين خطيرين ولم يساهما في تحقيق نمواً معقولاً في الأراضي الفلسطينية هما المساعدات الدولية و الضرائب غير المباشرة.

بقلم/ حسن عطا الرضيع