لاجئون إلى فلسطين

بقلم: معن بشور

(عشية انعقاد منتدى العدالة لفلسطين الدولي)

على مدى قرن من الزمن كنا ننظر إلى ما جرى ويجري على ارض فلسطين كمشروع استعماري استيطاني عنصري تنبغي مقاومته بكل الوسائل والسبل المتاحة، وفي مقدمها المقاومة المسلحة.

وعلى مدى قرن من الزمن كنا ندرك إن من جملة أهداف الكيان الصهيوني المزروع، بقوة الاغتصاب، على ارض فلسطين، هو تجزئة الأمة وإقامة حاجز بين مشرقها ومغربها، وأن مقاومة هذا الكيان وأغراضه ليست مهمة الفلسطينيين وحدهم بل مهمة كل أبناء الأمة الذين اجتمع عليهم وعد بلفور مع معاهدة سايكس بيكو ليمعنا في وطننا الكبير تجزئة وتقسيماً وتفتيتاً واغتصاباً واستعماراً.

لكن السنوات الأخيرة جعلتنا ندرك إن لفلسطين، كقضية جامعة لأبناء الأمة وتياراتها، مهمة استثنائية إضافية في مواجهة أخطر مشروع تواجهه الأمة باسم عصبيات طائفية ومذهبية وعنصرية يعمل أعداؤنا على استثارتها وإطلاق وحوشها، ونشر”ثقافاتها” واستخدامها وسيلة للامعان في قتل النفوس وتجهيل العقول وتسميم المشاعر وتحليل المحرمات وتغيير الأولويات ونشر الفتن .

على طريق القدس وفلسطين يمكن لكل مكونات الأمة الاجتماعية، وتياراتها الفكرية، ولكل ألوان الطيف العقائدي والديني والعرقي، أن تتلاقى، بل يمكن أن يلتقي كل أحرار  العالم، كل من رؤيته، فنبني الجسور حين ينقطع التواصل، ونقيم السدود حين تشتد الهجمات والمحن وتتزايد محاولات الإيقاع بين أبناء الأمة الواحدة وبينهم وبين الأمم والشعوب الأخرى.

على طريق فلسطين، التي لا طريق لتحريرها إلا بالمقاومة، تتلاقى مبادرات، وتتكامل جهود، وتتضافر قوى، وتجتمع رؤى من اجل تحقيق غايتين رئيسيتين:

أولهما إعادة الاعتبار لما يوحّد في وجه كل محاولات الفرقة والانقسام، لكي تجتمع للأمة قوة تمكنها من استئصال الورم الصهيوني الخبيث المتفشية أمراضه في عموم جسم الأمة، بل بدأت “تفيض” لتصيب العالم بأسره.

وثانيهما تجريد العدو الصهيوني من احد أمضى أسلحته، وركائز وجوده، ودعائم قوته، أي تجريده من تعاطف دولي ظن يوماً إن الكيان الغاصب هو الضحية وأن الشعب المغتصبة أرضه وحقوقه هو الجلاد.

في معركة عزل الكيان الغاصب دولياً ينبغي استخدام كل الوسائل المتاحة بالطبع، وفي المقدمة منها الوسائل الديبلوماسية والإعلامية والقانونية.

وفي هذا الإطار بالذات، وعلى طريق فلسطين أيضاً، واستكمالاً لمبادرات سابقة شهدتها بيروت وعواصم عربية وإقليمية ودولية، ينعقد في العاشرة من صباح الأحد 22/2/2015 “منتدى العدالة لفلسطين الدولي” بحضور حوالي 350 شخصية عربية ودولية من 30 دولة ومن القارات الخمس لينتصر للعدل في فلسطين في وجه العنصرية الصهيونية (الابارتايد)، وفي وجه جرائم الحرب الصهيونية والجرائم ضد الإنسانية، وفي وجه جرائم الاغتيالات التي يتباهى العدو  بارتكابها والتي طاولت قادة كبار، فلسطينيين ولبنانيين وعرباً، ورموزاً دولية، كالكونت برنادوت الوسيط الدولي عام 1948، وكالأمريكية المتضامنة راشيل كوري عام 2003، وصولاً إلى الجرائم الأخيرة كجريمة اغتيال الوزير القائد زياد أبو عين، وكوكبة شهداء القنيطرة.

وعلى رغم ضآلة الإمكانات، وقصر مهل التحضير، فقد فوجئ القيمون على المنتدى ( الذي بادر إلى الدعوة إليه المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن)، بحجم الاستجابة، كماً ونوعاً، رغم أن المشارك يتحمل كامل نفقات السفر والإقامة.

ومن ميزات المنتدى العتيد أيضاً هو المشاركة الشبابية الكثيفة فيه حيث سينضم إليه حوالي 150 شاباً وشابة عرباً (100منهم من خارج لبنان) ممن سيشاركون في “ندوة التواصل الشبابي الفكرية العربية الخامسة” يومي 20 و 21 شباط 2005 والذين سيقدمون رؤاهم حول “تجربة الحراك العربي بعد أربع سنوات”.

كما أن من ميزات المنتدى أيضاً حضور وفد أمريكي موسع برئاسة وزير العدل الأميركي السابق رامزي كلارك، خصوصا ً مع تنامي حركة المقاطعة والدعوة إلى مناهضة (الابارتايد) الصهيوني في المجتمع الأمريكي وجامعاته على نحو خاص.

وأهمية المنتدى تكمن كذلك في جماعية التحضير لأعماله، والدعوات للمشاركة فيه، والإعداد لأوراقه، والتمويل لفعالياته (عدا الإقامة والسفر)، فقد شارك في الجهد الجماعي ممثلون عن المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها، والمقاومة اللبنانية بكل تياراتها، والمؤتمرات والاتحادات والهيئات العربية  بكل اتجاهاتها وتياراتها تجسيداً لمقولة نسيها كثيرون “فلسطين توحدنا والقدس تجمعنا”.

فالعدالة لفلسطين لا تتحقق إلا بوحدة الأمة، وتحرير فلسطين لا يتم إلا إذا حررنا  النفوس والعقول والأحاسيس من سموم الفتنة الظلامية المتنقلة من قطر إلى آخر، وأخرجنا سياساتنا الرسمية والشعبية من مستنقع التلاعب بالأولويات، وتجاهل الخطر الرئيسي المتفرعة عنه باقي الأخطار، الخطر الصهيوني، وخطر الفتنة والقتل، حيث الفتنة اشد من القتل، وحيث القتل في هذه الأيام هو ثمرة الفتنة ومُشعل لهيبها.

لقد كان لجوء الملايين من أبناء فلسطين قبل 67 عاماً عنواناً لنكبة كبرى حلت بالأمس، فلماذا لا يكون لجوؤنا إلى فلسطين كقضية جامعة، هو طريقنا للخروج من الفتنة الكبرى.

نعم كنا بالأمس لاجئين من فلسطين، فلماذا لا نكون اليوم لاجئين إلى الحق الذي تمثلّه، والمقدسات التي تضمها، بل إلى العدالة التي تنضح بها قضيتها، لأن العدالة لفلسطين هي عدالة للأمة كلها، وعدالة للإنسانية جمعاء.

فكما لا يمكن لشعب حر أن يستعبد شعوباً أخرى، لا يمكن للعالم بأسره أن ينعم بالعدالة إذا كان جزء منه محروماً من هذه العدالة.

كاتب عربي