يشهد قطاع غزة ارتفاعاً ملحوظاً بأسعار الأراضي والعقارات على الرغم من مرور الاقتصاد الغزي بأسوأ مراحله منذ عقود, حيث يعاني من ركود اقتصادياً شديداً وانكماشاُ في الناتج المحلي إضافة لكساد العديد من الأنشطة الاقتصادية, إلا أن هناك ارتفاعاً في أسعار الأراضي والعقارات والتي لا تزال مرتفعة وإن انخفضت بشكل محدود عن العام 2012 , تلك الأسعار لا تعكس القيمة الحقيقية للعقارات حيث تُعتبر من أعلى الأسعار مقارنة بمتوسط دخل الفرد وبالواقع الاقتصادي والاجتماعي الراهن, فالارتفاع المتنامي للأسعار وتحديداً السنوات الخمس الأخيرة يرتفع بمستويات قياسية قياساً بالأسعار العالمية التي تراجعت بسبب أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية ثم بدأت بالتعافي والارتفاع ولكن بنسب ضئيلة باستثناء إسرائيل حيث ارتفعت بوتيرة متسارعة وتحديداً العام 2011 حيث ارتفعت بحدود 32% , وفي قطاع غزة الأكثر فقراً عربياً فقد ارتفعت أسعار الأراضي بحدود 200% في بعض المناطق, وعند تتبع الأسعار وعرض الأراضي والعقارات والطلب عليها يتضح وجود مشكلة حقيقية في الاقتصاد الغزي, ألا وهي عدم سريان مفعول قانون العرض والطلب , حيث وعلى الرغم من وجود عرض كبير للشقق السكنية والأراضي المعدة للبيع قبل اندلاع الحرب الأخيرة إلا أن هناك تراجع في الطلب عليها ناجم ذلك عن تراجع الدخول وتدني مستويات المعيشة, وعليه فإن ذلك لم يؤدي إلى انخفاض الأسعار وعلى العكس ارتفعت الأسعار وهذا يدلل على وجود مضاربات على هذا القطاع المهم والحيوي للاقتصاد الفلسطيني , وبدأت القضية أساساً مع توجه الغزيين للبديل عن المعابر الإسرائيلية وهي ظاهرة الأنفاق على الحدود مع جمهورية مصر العربية في الفترة 2008 ولغاية يونيو 2013, حيث بلغ حجم التهريب عبر تلك الأنفاق قرابة 1 مليار دولار سنوياً وحققت أرباح بحدود 300-200مليون دولار ( وخسارة السلطة الفلسطينية ل 15% من إيراداتها الضريبية من غزة ), وأدت تلك الظاهرة إلى تكدس ملايين الدولارات في أيدي عشرات الأثرياء الجدد والتي تتراوح ثروتهم 2.7 مليار دولار وهي تزيد عن إجمالي الناتج المحلي لقطاع غزة , هذه الأموال تم توظيفها خلال الفترة 2013-2010 في قطاع العقارات والإنشاءات والخدمات المالية كمحلات الصرافة والأنشطة السياحية رغم انعدام السياحة في قطاع غزة, تلك المشاريع من الناحية الاقتصادية غير منتجة كونها لا تساهم بتقليل معدلات البطالة ورفع مستوي المعيشة رغم ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في قطاع غزة بشكل كبير عام 2011, هذا الارتفاع لا يعكس الواقع الاقتصادي والاجتماعي بسبب أن ثمار هذا النمو قد عاد لجيوب العشرات اللذين استطاعوا خلق طفرة كبيرة في المجتمع الغزي عبر عمليات المضاربة الكبيرة فى الأراضي والعقارات ساهمت بالارتفاع الكبير , ومع إغلاق الجيش المصري للأنفاق في يونيو 2013 وعدم إدخال مواد للبناء بدأت الأموال تتكدس في غزة بعد نفاد السلع المهربة من الأنفاق, ومع قرار البنوك بغزة بعدم السماح بإيداع عملة الدولار لديها لوجود فائض لديها, فقد أدى ذلك لقيام أصحاب رؤوس الأموال بالبحث عن مجالات لتوظيف تلك الأموال والمجال الأكثر أماناً وثراء هي العقارات,وهذا السبب الرئيسي لعدم تراجع الأسعار رغم معاناة الاقتصاد الغزي من انكماش بلغ 15% في العام 2014, كذلك فالأسعار في ارتفاع لأسباب منها ارتفاع العجز في الوحدات السكنية حيث أن قطاع غزة بحاجة سنويا إلى 5000 وحدة سكنية إضافة إلى عدد الوحدات التي يحتاجها قطاع غزة في الوقت الراهن وهي 70,000 وحدة سكنية بسبب الحرب الأخيرة على قطاع غزة, ومع النمو السكاني المرتفع نسبياً في قطاع غزة والذي يزيد عن 3% وتباطؤ النمو الاقتصادي وعدم بلوغه لحدود 5% , ومع إمكانية وصول عدد سكان قطاع غزة لمليوني نسمة خلال السنوات الخامسة القادمة, ومع تراجع عملية إعادة إعمار غزة فإن هناك انفجاراً لا محالة مما يستدعي وضع حلول سريعة تستطيع الحد من تلك المشكلات.
أما عن ما هي الأسباب الرئيسية التي تكمن في قيام أصحاب رؤوس الأموال بالاستثمار في الأراضي والعقارات رغم حالة الركود فهي تسير وفقاً لمبدأ أساسي وهي " أن العقارات من الممكن أن تمرض وتشعر بوعكة صحية بسيطة ولكن في كل الاحتمالات فهي لن تموت ", كذلك تسير وفقا ً لنظريات أخرى مفادها عدم نفاد قوانين العرض والطلب وهيمنة المضاربات على الاقتصاد الفلسطيني الذي تحكمه سياسات النيو ليبرالية الداعمة لرأس المال على حساب المصلحة المجتمعية , إضافة للتناقضات في السياسة الاقتصادية المطبقة في الأراضي الفلسطينية.
بقلم / حسن عطا الرضيع
باحث اقتصادي/ غزة