في الاحتفال الذي جرى الإثنين 16-2-2015، لتنصيب رئيس الأركان الجديد للجيش الإسرائيلي، الجنرال "غادي آيزنكوت"، ليصبح رئيس الأركان رقم (21) والذي رُفّع إلى رتبة فريق، ليحل مكان رئيس الأركان "بيني غانتس"، الذي أنهى فترة توليه القيادة ومدتها أربع سنوات، في هذا الاحتفال كانت الخطابات التي ألقيت عدائية، بل وحربية وتهديدية، لا تبشر بأي بارقة ضوء نحو السلام، ورئيس الأركان الجديد "غادي آيزنكوت"، تحدث عن مشاكل أمنية عديدة تواجه إسرائيل، منها داعش والنصرة، وحزب الله، والجولان، وحماس، والمنظمات الإرهابية في سيناء، كذلك التخوف من اندلاع انتفاضة في الضفة الغربية، واحتمال انهيار السلطة الفلسطينية، وفي اليوم التالي من تنصيبه، أعلن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، عن إجراء مناورات عسكرية مكثفة، بمشاركة قوات الجيش والدفاع المدني، وقوات الأمن الأخرى في وسط البلاد، مما يوحي بأن مخططات عسكرية عدوانية يجري الإعداد لها، لكن رئيس الأركان المنتهية ولايته "بيني غانتس"، استخلص العبر التي لا تريد القيادة السياسية التوصل إليها، ففي تصريح له للإذاعة العبرية "16-2-2015"، وبعد خوضه الحرب الأخيرة على غزة المسماة "بالصخرة الصلبة"، قال بأنه لا بديل أمام إسرائيل والفلسطينيين، إلا التوصل إلى حل سياسي ينهي الصراع.
رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، في خطابه باحتفال التنصيب، قال أن سنوات صعبة تنتظر الجيش الإسرائيلي، وأن السنوات الأربع القادمة، ستكون أصعب بكثير من السنوات الأربع الماضية، واصفاً الشرق الأوسط بأنه يتداعى، والدول العربية تتفكك، وأن إيران تزدهر لتملأ الفراغ وتطمح بالحصول على السلاح النووي، كما أن قوى الإسلام المتشدد تتغلغل في كل صدع من هذه المنطقة، وبدلاً من أن يتوصل "نتنياهو" إلى نفس الاستنتاج، الذي توصل إليه رئيس الأركان المنتهية ولايته، فإنه يكرر التهديدات ويتباهى بقوة إسرائيل العسكرية، وبجيشها الذي يستطيع هزيمة الدول العربية وإيران على حد سواء فسياسة إسرائيل التي تعتمد على القوة وعلى المزيد من القوة، هي التي تشكل الخطر الأكبر على مصيرها.
إن الاهتمام الإسرائيلي حالياً منصب على إيران وحماس وحزب الله، وتنظيمات الجهاد العالمي، ويعترف وزير الجيش الإسرائيلي، "موشيه يعالون"، بأن التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين، لإنهاء الصراع، ليس وارداً على سلم الاهتمامات الإسرائيلية، المنصبة على القضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية، بل أن إيران هي التي تحتل سلم الأوليات الإسرائيلية، فإسرائيل التي تريد أن تكون القوة العسكرية المهيمنة على الشرق الأوسط، والتي تحاول منع الآخرين من التسلح، تتسلح بجميع أصناف الأسلحة الحديثة والمتطورة، فالتسلح والحروب لن تجلب الأمن والاستقرار لا للإسرائيليين، ولا للفلسطينيين، بل تؤدي إلى إطالة أمد عدم الاستقرار، وإلى المزيد من الخسائر البشرية والمادية.
إن اليمين الإسرائيلي، الذي ما زال يؤمن، بعقيدة الزعيم "زئيف جبوتنسكي"، الذي انشق عن المؤتمر الصهيوني عام 1922، وأقام حركة اليمين التي لا تؤمن بالسلام، بل بوعد بلفور، وأن للأردن ضفتين هذه لنا وتلك أيضاً، أي لهم، وأن الله منح كل أرض فلسطين لليهود، فإن مسار حركة "جبوتنسكي" تؤكد أن هذه الحركة والسلام نقيضان، ففي مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وباعتراف وزير الخارجية الأميركي "جيمس بيكر"، أن إسرائيل لم تكن راغبة المشاركة في هذا المؤتمر، بل جرّت إليه جراً، وذلك في عهد رئيس الحكومة الإسرائيلية "اسحاق شامير"، والذي له المقولة المشهورة، بأنه سيجر المفاوضات لعشر سنوات، لإحباط أي فرصة للسلام، لكنه نجح بجرها لأكثر من (20) عاماً، دون التوصل للسلام، دليل على أيديولوجية اليمين الإسرائيلي المعادية للسلام،
في عهد حكومة "إسحاق رابين" العمالية عام 1994، الذي توصل في مؤتمر أوسلو إلى الاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، عمد اليمين الإسرائيلي لإسقاط هذا الاتفاق، بل ولجأوا إلى اغتيال "رابين" للتخلص منه، ومن اتفاق أوسلو، هذا الاغتيال الذي تم بفتوى حاخامية، والذي قام بتنفيذ عملية الاغتيال "إيجال عمير"، الذي كان يدرس في جامعة بار ايلان، الواقعة تحت تأثير اليمين الإسرائيلي المتدين.
من يتذكر، ما نشرته وسائل الإعلام الدولية والإسرائيلية والمحلية، في عهد ولاية رئاسة الوزراء الثانية لـ "نتنياهو"، حين كان "شمعون بيرس" وزيراً للخارجية، وهو في طريقه إلى عمان، لينقل إلى الرئيس "محمود عباس"، في صيف عام 2011، التفاهمات التي توصلا إليها، وبموافقة "نتنياهو"، هذه التفاهمات التي نصت على إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل في حدود الرابع من حزيران 1967، مع تبادل مناطق بصورة متساوية، وأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، والقدس عاصمة الدولتين، وستظل مدينة مفتوحة، على أن تكون الأحياء الفلسطينية تحت السيادة الفلسطينية، والأحياء اليهودية تحت السيادة الإسرائيلية، وحل مشكلة اللاجئين، يجب أن يحظى بموافقة الطرفين وأن يكون عادلاً، وتشكل التفاهمات انسحاب إسرائيل من 98% من الضفة الغربية، لكن ما لم يتفق عليه وتُرك لمفاوضات التسوية النهائية موضوع الأماكن المقدسة، لقد تلقى "بيرس" أمراً من "نتنياهو" بالعودة بعد أن قطع جسر الملك حسين، وتبين فيما بعد بأن "نتنياهو" تراجع عن التفاهمات المذكورة، قبل قيام "بيرس" بإبلاغ "أبو مازن" بالموافقة عليها، وهكذا يكون "نتنياهو" عمل على إحباط أي تقدم في عملية السلام.
ضمن سياسة إسرائيل بتخويف مواطنيها من السلام، ودفعهم لإعادة انتخاب حزب الليكود، فقد بث هذا الحزب بتاريخ "14-2-2015" فيلماً يحمل تحذيراً يقول: أن اليسار الإسرائيلي سيجلب "داعش" إلى هنا، مما أثار هذا الفيلم عاصفة شديدة بين الإسرائيليين، هذا الفيلم الذي شمل أشخاصاً يرتدون ملابس "داعش"، ويمسكون بعلم الدولة الإسلامية، ويتجهون بسياراتهم العسكرية باتجاه القدس، وكتب على سياراتهم حسب الفيلم، أن اليسار سيخضع للإرهاب، إضافة إلى شعار فقط ليس "نتنياهو"، هذا الشعار الذي يتبناه اليسار الإسرائيلي، في المعركة الانتخابية، وأن اليسار سيتسبب في دخول داعش لإسرائيل، وعقب اليسار على هذا الفيلم، بالقول: أن "نتنياهو" يعيش في فيلم للتغطية على فشله الشامل في جميع المجالات.
لقد أظهرت دراسة إسرائيلية جديدة "هآرتس 26-12-2014"، أن 22% من الإسرائيليين، يصنفون أنفسهم بأنهم ينتمون إلى التيار الديني القومي اليميني، الأمر الذي يفسر ارتفاع شعبية التطرف، ومكانة حزب البيت اليهودي الذي يتزعمه الوزير "نفتالي بينت"، الذي أعلن أن إسرائيل ترفض إقامة دولة فلسطينية، وأننا لن ننسحب من سنتمتر واحد من الضفة الغربية، وحسب شعارات اليمين الإسرائيلي في معركته الانتخابية، فإن السلام لن يتحقق في هذه المنطقة إلى الأبد، وهذا ما يجسده قادة الاحتلال الإسرائيلي قولاً وفعلاً، وهذا دليل على إفلاس السياسة الإسرائيلية، أنهم يؤمنون بأن القوة هي الحل، إنهم لم يتعلموا من دروس الماضي، ومن اغتيال "رابين"، وحسب جريدة "يديعوت احرونوت 16-2-2015"، فإن المستوطنين بثوا شريطاً يظهر فيه نشطاء اليسار من اليهود الصغار حسب المفهوم النازي، بطريقهم للإعدام، وأن الأوروبيين حسب الجريدة يبدون مختلفين الآن، لكن المستوطنين يعتبرونهم نازيين.
وأخيراً... فإن عدم استقرار البنية الحزبية في إسرائيل، رغم ما تشهده المنطقة من تغيرات، فإن الأمثلة كثيرة بأن إسرائيل والسلام نقيضان، ولا يوجد أمل في تغيير الخارطة السياسية-الحزبية في أعقاب الانتخابات القادمة، فسياسة التطرف الإسرائيلي ثابتة ومتواصلة، وعلى الفلسطينيين التخلص من وهم السلام بأن إسرائيل ستتنازل عن احتلالها للأراضي الفلسطينية، الذي يدر عليها المليارات سنوياً، طالما لا تدفع ثمناً مقابل احتلالها.
بقلم/ غازي السعدي