السعودية كانت أول من إحتضنت نظام السيسي،حتى قبل أن يتم انتخابه رئيساً في 3/تموز من العام الماضي،والسعودية وقفت الى جانب النظام المصري في حربه ضد حركة الإخوان المسلمين،ومارست هي ودولة الإمارات العربية على وجه التحديد ضغوطاً كبيرة على قطر وصلت حد إستدعاء السفراء والتهديد بإتخاذ عقوبات رادعة بحق قطر اذا ما استمرت بدعم حركة الإخوان المسلمين وتوفير المأوى والمنابر السياسية لقادتها الهاربين من مصر،بالإضافة الى تقديم الدعم المالي الكبير لتلك الحركة في مصر،بالإضافة الى ممارسة " الجزيرة القطرية" عملية تحريض سافرة ضد النظام المصري،والضغوط السعودية – الخليجية على قطر أثمرت عن مصالحة رعتها السعودية قبل وفاة ملكها عبد الله بفترة قصيرة،حيث أوقفت "الجزيرة" بث "الجزيرة" مباشر من القاهرة،وأبدت قطر إستعدادها لطرد وترحيل قادة الإخوان المسلمين من قطر إلى تركيا،ووقف خطب الشيخ القرضاوي- منظر وداعية ومفتي الإخوان المسلمين التحريضية ضد النظام المصري،ولكن رحيل الملك السعودي،وفر الفرصة لقطر للتهرب من إستحقاقات المصالحة التي قبلت بها على مضض،ويبدو ان تلك المصالحة رحلت برحيل الملك عبدالله،والعهد الجديد كان يحمل إرهاصات تغير في السياسة الخارجية السعودية تجاه النظام المصري الجديد،ولعل البعض يرى بأن التغير في السياسة الخارجية السعودية المصرية له علاقة بالأولويات والتطورات الحاصلة في المنطقة وفي المحيط بالسعودية،ومن اهم تلك التطورات وصول الحوثيين حلفاء ايران إلى حدود المملكة،بسيطرتهم على اليمن، وهذا يجعل السعودية تجري تغيرات في اولويات سياستها الخارجية،بحيث يتقدم امنها وامن الخليج ووحدة ما يسمى بالتعاون الخليجي ورص الصفوف في مواجهة الخطر الإيراني الداهم الذي يضع السعودية في فكاي كماشة العراق واليمن،حيث ايران هي المحرك والقابض على زمام الأمور في البلدين،ولذلك الدفاع عن الوجود والمصالح يتقدم على خطر محاربة "الإرهاب"...ولذلك بعد عملية القتل البشعة والخارجة عن كل ما هو إنساني من قبل "داعش" ليبيا بحق المصريين الأقباط ال(21)،وإتهام مصر لقطر بدعم ومساندة إرهاب "داعش".....ومن ثم قيام قطر بالرد على مصر برفض هذا الإتهام ودعوة سفيرها في القاهرة للتشاور،ومن ثم صدور بيان عن الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي يقف الى جانب قطر في موقفها ضد مصر...وعلى الرغم من سحب هذا البيان لاحقاً،إلا أن هذا البيان كان يؤشر بشكل جدي لوجود إرهاصات جدية ودلائل على تغير في الموقف السعودي من مصر، بيان يقول بشكل واضح لا لبس فيه بأن مرحلة او فترة التبني والإحتضان السعودي للنظام المصري قد طويت،وبأن شهر العسل بين النظامين قد شارف على الإنتهاء.
" والتغير في الموقف السعودي ليس مرتبط بأولوية التهديد الإيراني" لأمنها واستقرارها،وتقديمه على خطر "الإرهاب" في سلم أولوياتها،وهذا يجعلها تقترب أكثر من محور الدوحة – أنقرة – الإخوان المسلمين، بل بعد مقتل المصريين الواحد والعشرين على يد "داعش" ليبيا كانت هناك أكثر من رسالة وصفعة تلقتها الدبلوماسية المصرية،وبما يثبت ويؤكد على وجود مخطط أمريكي- أوروبي غربي،وبالتعاون مع مشيخات النفط السعودية وقطر في مقدمتها من اجل محاصرة مصر،اذا لم تستجب لإشتراطاتها،وفي المقدمة منها الموافقة على التعاطي مع المشروع الأمريكي في شن حرب على "داعش"وبما لا يقضي على "داعش"،بل يبقي عليها في إطار الدور المرسوم لها في المشروع الأمريكي،إستنزاف وتدمير البلدان العربية الثلاثة (العراق،سوريا ومصر)،وعلى أن تتولى السعودية المسؤولية عن دفع تكاليف الحرب والطلعات الجوية الأمريكية على "داعش"،تحت يافطة وذريعة الفتنة الشيعية – السنية.
والصفعة الأولى للنظام المصري كانت عدم موافقة أمريكا والغرب الإستعماري على إستصدار قرار أممي من مجلس الأمن لشن حرب على إرهاب "داعش"،بل كانت أمريكا ترسل الرسائل للنظام بأن عليه أن يتصالح مع الإخوان المسلمين في مصر،وان يجري إستيعابهم في الحكم،وكذلك جماعة "فجر ليبيا" المصنفة كحركة إرهابية وقريبة من الإخوان المسلمين،يجب على النظام المصري القبول بها كمشارك في السلطة في ليبيا،وأمريكا والغرب سيقتربون من النظام المصري ويدعمونه في محاربة الإرهاب في سيناء وليبيا بقدر إقترابه من المحور التركي- القطري- الإخواني.والصفعة الثانية كانت للنظام المصري،هي البيان الصادر عن الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي،والذي وقف الى جانب قطر ضد إتهام النظام المصري لقطر في مجلس الأمن الدولي بدعم الإرهاب،وهذا البيان هو الذي شجع قطر على أن تفك قيودها من اتفاق المصالحة المصرية – القطرية الذي رعاه الملك السعودي الراحل عبد الله،ولكي تعاود دعمها للإخوان وفتح أبواق دعايتها وتحريضها على النظام المصري من خلال "الجزيرة" والشيخ المثير للجدل القرضاوي،وإطلاق العنان لقيادات الإخوان من على أراضيها لممارسة كل أشكال الردح والقدح والذم والتشهير في النظام المصري.
واقع الحال يقول بأن معركة كسر العظم ما بين النظام المصري وحركة الإخوان المسلمين قد ذهبت بعيداً،ولا إمكانية للمهادنة بين الطرفين،حيث يصعد الإخوان من عنفهم ضد النظام،ولا يريدون إن يكون هناك أي حالة من الهدوء والإستقرار ولا الأمن ولا الأمان في مصر،ولا أي شكل من أشكال النمو والإستقرار الإقتصادي،بل معنيين بتعميق أزمات النظام المصري،حتى يضيق الشعب ذرعاً بممارساته،وأخال بأن الطريقة البشعة التي قتلت فيها "داعش" ليبيا المواطنين المصريين الواحد والعشرين هي رسالة أمريكية وتركية،على إعتبار أن تركيا المشغل والمقاول الرئيسي للمشروع الأمريكي في المنطقة،مشروع "تدعيش" المنطقة العربية،بأن الجيش المصري والنظام سيستنزفان على أكثر من جبهة سيناء وليبيا،ما لم يقبل النظام بشروطهما،وقف إستكمال علاقات تفاهمه وتعاونه مع روسيا،وإجراء المصالحة مع الإخوان،والذين هم جزء من المشروع الأمريكي في المنطقة،حيث أجرى الإخوان عملية تنسيق مع الإدارة الأمريكية في واشنطن قبل فترة قصيرة،حيث قام وفد قيادي إخواني بالإلتقاء مع القيادة الأمريكية في واشنطن لبحث دور الإخوان في المعادلة العربية والإقليمية.
ورقة الضغط السياسية في يد النظام المصري،هي تمتين وتصليب الجبهة الداخلية،من خلال الإتفاق على القضايا الوطنية الأساسية،وصيانة وحدة المجتمع والجغرافيا المصرية،من المخاطر المحتملة والمخططة من قبل القوى المعادية،وهذا يتأتى بالمصالحة بين النظام ومكونات ومركبات المجتمع المصري السياسية والحزبية والمجتمعية والأهلية،التي تغلب مصالح الوطن والشعب المصري على أية مصالح اخرى.
واضح بأن النظام السعودي يتعرض لضغوط أمريكية واوروبية غربية من اجل إعادة صياغة علاقاته بالنظام المصري،يطبع النظام المصري علاقته بالإخوان،ويستجيب للإملاءات والإشتراطات الأمريكية،فيما يخص محاربة "الإرهاب" وفق التعريف الأمريكي له،يتدفق عليه المال الخليجي،وما دون ذلك فالنظام سيحاصر والجيش المصري سينهك،وشهر العسل السعودي – المصري أظنه قد إنتهى.
القدس المحتلة – فلسطين
26/2/2015
0524533879
[email protected]