كأنّ إسرائيل تضع يدها على قلبها، بمناسبة انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني في دورته ألـ 27، في رام الله، والذي يُعد أعلى سلطة تشريعية للفلسطينيين في حال اجتماعه، وله صلاحية اتخاذ قرارات مصيرية، حيث سيعكف على مناقشة قضايا ساخنة، والتي يمكن أن تؤدي إلى اتخاذه خطوات صارمة ضدها، وعلى رأسها مستقبل العلاقة معها، بأبعادها الأمنية والسياسية والاقتصادية، حيث تشير التوقعات بأن تكون الجلسة عاصفة، بسبب نوايا ضاغطة لفصائل فلسطينية وخاصةً الجبهتان الشعبية والديمقراطية، من أجل اتخاذ قرارات جدّيّة وعاجلة باتجاه إسرائيل، وذلك للضغط على الأميركيين والإسرائيليين معاً، في ظل أن السلطة أصبحت مهددة بالانهيار، والجمود الذي يعتري العملية السياسية بشكل عام.
خلال الفترة الماضية، ومنذ إعلان السلطة عن حفنة من الإجراءات ستقوم باتخاذها ضد إسرائيل، ومنها القيام بإلغاء اتفاقات سياسية وأمنية واقتصادية معها، وبأنها ماضية في مقاضاتها عن جرائمها أمام محكمة الجنايات الدولية، إضافة إلى وضعها اشتراطات، إذا ما أرادت إسرائيل تحديث المفاوضات معها، وهي تلك التي حملها الفلسطينيون إلى مجلس الأمن أواخر العام الماضي، والتي تمثلت بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وبوقف النشاطات الاستيطانيةّ وبالموافقة على جدول زمني محدد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، فقد بادرت إسرائيل إلى إبداء انفعالها بوضوح باتجاه السلطة الفلسطينية، وحذّرت في الوقت نفسه من التمادي باتجاه تنفيذها لأيّة إجراءات ضدها.
ومن ناحية أخرى، فإن إسرائيل لم تسمح بانعقاد المجلس في موعده المقرر، ولم تقم بإصدار تصاريح لدخول شخصيات فلسطينية فصائلية ومستقلة من قطاع غزة إلى الضفة الغربية من خلال معبر(إيرز) للمشاركة في اجتماع المجلس، هكذا، سيما في أجواء كهذه، إلاّ لضمانها نجاح إجراءات مُقابلة، تهدف إلى اجتناب أيّة منغصات، في ضوء أنها لا تقبل بما يعكّر سياستها، أو يؤثر على مسيرتها الانتخابية المقبلة، وللحيلولة دون تصعيد الأمور بغير حساب، فقد لاذت إلى ناحية الشروع بما يمكن أن يكون إشارات تحذير وتنبيه مزدوجة، فيما إذا قررت السلطة أو المجلس المركزي نسيان إسرائيل كدولة، لها الأمر من قبل ومن بعد، حيث لجأت بالتحذير أولاً، من خلال قيامها بإجراء عروض وتدريبات عسكرية في أراضي الضفة، وعلى ارتفاعات منخفضة فوق "المقاطعة" برام الله، وارفقتها بتصريحات عسكرية صاخبة، لمنحها اهتمامات خاصة، باعتبارها رسالة محلية ودوليّة، تفيد بأن عملية إعادة احتلال الضفة محتملة الحصول، في حال قيام السلطة بتنفيذ أي من تهديداتها، أو باتخاذ المركزي لأيّة قرارات سياسية أو أمنية أو اقتصادية، كإلغاء اتفاقات سياسية أو وقف التنسيق الأمني أو إلغاء معاهدة باريس الاقتصادية الموقعة منذ العام 1994.
وتمثّلت إشارات التنبيه في أن إسرائيل لا تزال قادرة على توظيف جهات فاعلة في رسم وتطبيق سياساتها، حيث استطاعت الركون إلى جهات غربية وعربية، لإفراز قدراتها باتجاه إثناء السلطة عن اتخاذ أيّة سياسات بمفردها، وكانت الولايات المتحدة قد قامت بإجراءات ضغط مختلفة على السلطة و"أبو مازن" تحديداً من أجل التخفيف من سياسته التصعيدية، ولعدم تشجيع أيّة قرارات حاسمة قد يُقدم عليها المجلس، بحجة منع وقوع أزمة في الضفة الغربية أولاً، وثانياً لتجنّب أيّة انهيارات في العلاقات مع إسرائيل، وصولاً إلى إعطاء فرصة جديدة لاستئناف محتمل للعملية السلمية بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية المقررة منتصف الشهر الحالي، وكان وزير الخارجية "جون كيري" قد تعهّد بالمقابل بالضغط على المسؤولين الإسرائيليين، للعدول عن قراراتهم فيما يتعلق بإجراءاتهم ضد السلطة، وعلى رأسها إلغاء قرار حجز الأموال عنها، وكانت اتصالات مكثفة أخرى، قد حصلت من دول عربية متعددة في هذا الاتجاه، حيث قامت وعلى مدى الأيام الماضية، وبناء على طلب إسرائيلي، بإجراء اتصالات مكثفة مع القيادة الفلسطينية، لحثّها على عدم اتخاذ قرارات متسرّعة خلال الاجتماع المرتقب للمجلس.
السلطة الفلسطينية إلى الآن، بدت متماسكة أمام الضغوطات تلك، وتحاول إثبات أنها جدّية هذه المرّة، وأنها ستُوفّر الراحة الممكنة لأعضاء المركزي، بشأن اتخاذهم لأيّة قرارات يرونها مناسبة، لكن هذا لا يمنع حصول تطورات مختلفة، وحتى ميول إلى ناحية التخلي أو التأجيل على الأقل، في شأن اتخاذ قرارات حاسمة، وذلك خشية من تأثيرات عكسية محتملة، أو رغبة في حيازة نقاط سياسية إضافية، ويساعد على ذلك، تواجد أصوات داخلية (حذِرة) مُتلاقية مع الضغوطات الخارجية، بحجة أنها معنيّة بعدم تصعيد الأمور إلى الأسوأ، وضد لجوء المجلس إلى اتخاذ أية قرارات تودّي إلى صفق الأبواب أمام أيّة مبادرة سياسية، بناءً على مراهنتها بحدوث تغييرات في خارطة الحكم الإسرائيلي، والتي ستعمل – حسب اعتقادها- على إحداث انفراج جديد في العملية السلمية، والعلاقة الثنائية بشكلٍ عام.
د. عادل محمد عايش الأسطل
خانيونس/فلسطين
3/3/2015