مطلوب عقلانية حمساوية ومسؤولية وطنية

بقلم: محمد أبو مهادي

لاشك أن قرار محكمة مصرية بإعتبار حركة حماس منظمة إرهابية سيكون له تداعيات سياسية لاحقة إذا ما أديرت هذه القضية بردّات إنفعالية تزيد الطين بلّة، وتفاقم من أزمة تتصاعد منذ سقوط حكم الإخوان في مصر حتى الآن.

حركة حماس خرجت سريعاً إلى الشوارع ووسائل الإعلام منددة بقرار المحكمة، وبعض قادتها أطلق تصريحات كان ينبغي التريث قبل تصديرها نظراً لما تخلقة من أجواء غير سليمة لمعاجلة هذه المسألة برمتها وفقاً لحسابات دقيقة تأخذ بالحسبان مجمل التغيرات الحاصلة في مصر والإقليم والعالم، وحسابات أخرى فلسطينية لم يؤخذ بها في بناء المواقف منذ زمن وخضعت أغلبها لحسابات المال والحزب والمرجعيات الإقليمية، وغابت عنها المرجعية الوطنية الفلسطينية ومصالح الشعب الفلسطيني.

لا ينكر أحد الدور الوطني لحركة حماس وما قامت به خلال أكثر من مواجهة مع إسرائيل، ولا يستطيع أي عاقل فلسطيني وفي العالم إخراج حماس من المشهد السياسي بشكل قيصري، فجميع مبادرات المصالحة التي رعتها مصر وجامعة الدول العربية جاءت إنطلاقاً من هذه الحقيقة التي ما زالت ماثلة حتى بعد سقوط حكم الإخوان في مصر وتونس وتراجع الدوران التركي والقطري عن العبث في القضايا العربية لصالح مشروع التجزئة والتفتيت الأمريكي.

الحكومة المصرية لا تحتاج إلى قرار قضائي لإعتبار أي جهة سياسية منظمة إرهابية أو غير إرهابية، فقد قامت مصر بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع تركيا وقطر بدون قرارات من المحاكم، كما حظرت نشاطات المنظمات المتطرفة بما فيها نشاط جماعة الإخوان دون العودة للقضاء، وبعض قرارات المحاكم التي عقبت سقوط حكم الإخوان لم يجر تفعيلها إلّا بعد قرارات سياسية إتخذتها الحكومة التي أفسحت مجالات واسعة للحوار مع القوى السياسية المصرية، والأمثلة كثيرة

إعتبار حماس منظمة إرهابية أمام محكمة مصرية ليس بالضرورة أن يتحول إلى سياسة حكومية مصرية حيث ما زالت الشقيقة مصر تتعامل بمسؤولية وحكمة في كل ما يتعلق بالملف الفلسطيني، ولم تمارس أو تعلن موقفاً بعكس ذلك، فالموقف السياسي للحكومات لا يتم بناءه داخل المؤسسة القضائية ولا حتى في وسائل الإعلام رغم أهميتها.

حركة حماس تميّزت ببراغماتية عالية في تصرفاتها منذ تأسيسها، حيث أقامت شبكة علاقات مع أنظمة ملكية في الخليج العربي وتلقت دعماً وإسناداً من تلك النظم، ونسجت علاقات تحالفية مع النظام البعثي القومي في سوريا ومع حركة شيعية في لبنان " حزب الله"، وبنت جسوراً كبيرة مع نظام سياسي شيعي في إيران ونظام سياسي علماني في تركيا، ونظام ديني سني في السودان، إلى أن حدثت التغيرات الأخيرة فيما عرف "بالربيع العربي" وما تبعه من تحولات سريعة أسفرت عن فشل وسقوط حكم الإخوان في مصر الذي وضع حماس في حالة من الذهول عطّل الصفة الهامة التي تمتعت بها حماس، ولم تستطع التخلص من عبء العلاقة مع التنظيم الدولي للإخوان كما تحررت إلى حد ما حركة النهضة في تونس حتى وفقاً لقاعدة الضرورات التي تبيح المحظورات.

الحركة التي نظمت علاقات مع القوميين والعلمانيين والشيعة والملكيين، يمكنها أن تبادر بشكل جريئ لتصويب العلاقة مع النظام الوطني في جمهورية مصر وفق أسس جديدة تتعامل مع الواقع والمتغيرات التي عصفت بحلفائها، وتراعي ضرورات الأمن القومي المصري وخيارات الشعب المصري التي حددها بثورتين وعملية ديمقراطية في طريقها للنضوج.

لقد دفع الشعب الفلسطيني ثمناً باهضاً نتيجة للموقف الفلسطيني الرسمي بعد غزو الكويت، وما زال يدفع ثمن التحالفات والعلاقات التي لا تأخذ بالإعتبار مصالح الشعب الفلسطيني، وحركة حماس يجب أن تدرك أنها تحكم مليون وثماني مئة ألف فلسطيني خرجوا من ثلاث حروب متتالية خلّفت كوارث لا تحصي، تتراكم دون حلول جدّية لتصبح الحياة في قطاع غزة جحيم لا يطاق، الصمود فيه أسطورة ستكتب عنها الأجيال.

لم تكن دعوة النائب محمد دحلان لحركة حماس بأهمية "فك الإرتباط" مع التنظيم الدولي للإخوان من باب المزايدة على موقف الحركة أو التوريط، بل كان توجه مبني على قراءة للواقع وحسابات وطنية تخرج حماس وقطاع غزة من دائرة العزلة والحصار وتعيد ترميم العلاقات الوطنية الفلسطينية المعطوبة في نفس لحظة إعادتها لترميم العلاقات العربية، حرص دحلان والعديد من القوى والشخصيات الوطنية على حماس لأنها حركة فلسطينية لا يمكن الإستغناء عنها في مواجهة الإحتلال، ولا يمكن إغفال قوّتها كإحدى دعائم النظام السياسي الفلسطيني الجديد إذا ما جرت إنتخابات تشريعية ورئاسية.

لا يمكن لحركة سياسية في العالم أن تنجح وتستمر في ظل حالة من جمود الموقف وتغييب الحسابات، ولا يمكن لحكومة أن تفعل ذلك أيضاً مهما بلغت درجة قوتها الإقتصادية والسياسية، هذا منافي للتجارب والتاريخ وعلوم السياسة، المرونة في الموقف تحافظ على ديمومة العمل وتقلل من حجم الخسائر السياسية في مجتمع يعيش الخسائر بالجملة منذ جاء الرئيس عباس إلى الحكم حتى اللحظة، ومنذ أن طغت الحسابات الشخصية والحزبية على الصالح العام.

خطوة جريئة من حماس قد تعيد إنتاج المشهد السياسي بشكل مختلف، وتجنب الشعب الفلسطيني مخاطر هو في غناً عنها، ولم لا إذا ما إستندت هذه الخطوة إلى تجربة فريدة خاضتها حماس ومنحتها أسباب التراجع والتقدم والإستمرار.

بقلم/ محمد أبو مهادي