بالأمس القريب أصدرت محكمة الأمور المستعجلة المصرية قراراً باعتبار كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس منظمة إرهابية، بدعوى أن القسام متورط بعمليات " إرهابية " داخل سيناء، ولكن المستغرب هو إصدار نفس المحكمة بعد عدة أسابيع قراراً آخر اعتبرت حركة حماس منظمة إرهابية، بنفس الادعاءات، بعد شهر من حكم سابق بعدم اختصاصها.
المحكمة ذاتها نظرت في دعوى مقدمة في إبريل/2014م ، بعدم الاختصاص في نظر دعوى أخرى تطالب بـ"حظر الأنشطة الإسرائيلية في مصر" واعتبار إسرائيل "دولة إرهابية".
الملاحظ بأن القرارات التي أصدرتها المحكمة هي قرارات مسيسة بإمتياز وليس لها أي بعد قانوني، فلم يثبت أي جهاز أمني مصري أو سيادي أي إتهام ملموس أو ثابت على حماس، واقتصرت الاتهامات من خلال ما يروجه الإعلام المصري، ولذلك فشكل العقاب هنا ولعدم ثبوتيته اقتصر فقط على قرار من محكمة مصرية غير ملزم للنظام المصري وأجهزته، الذي قد يستخدم هذه الورقة متى يشاء، مع إبقاء شعرة العلاقة مع حماس خاصة وأنه لا يريد أن يخسر دوره الإقليمي تجاه القضية الفلسطينية، لذلك قد يلعب على وتر المد والجزر في العلاقة مع الفصائل الأخرى وخاصة الجهاد الإسلامي كوسيط بينه وبين حماس.
المراقب لردة فعل حماس إعلامياً يلحظ بانه كان سريعاً وبلغة متوازية مع خطورة هذا القرار، وقد يترجم في الأيام القادمة على أن تعتبر حماس النظام المصري " طرف غير محايد " ، ولربما أيضاً تضطر للبحث عن وسيط آخر في أي حديث مقبل يتعلق بملفات التهدئة أو تبادل الأسرى في حال تصاعدت وتيرة الهجمة المصرية عليها.
المتابع لردة فعل الإسرائيليين يرى بأن الرابح الأول من هذا القرار هم الإسرائيليون، ولكن هل ستقبل " إسرائيل " بأن تخسر " الوسيط المصري " في مفاوضات التهدئة مع الفلسطينيين؟!، خاصة أن " اسرائيل " لن تجد أفضل من " الوسيط المصري " في التعاطي مع هذا الملف.
خيارات حماس:
مصر تحاول أن تحشر حماس في زاوية الحصار المطبق والجماعي بإغلاقها لمعبر رفح البري، وهدمها للأنفاق، وبتر شريان الحياة في غزة، فضلاً عن منعها لقيادات وكوادر حماس وفق مخطط مدروس مع جهات أخرى غرضه " تسليم غزة " وإنهاك المقاومة فيها من خلال قطع خطوط الإمداد لحماس عسكرياً ومالياً، ولعل إزالة مدينة رفح المصرية بالكامل وإنشاء منطقة عازلة صفراء مع قطاع غزة هدفها قطع خطوط الإمداد لحماس.
كل هذه المخططات الميدانية والإعلامية والقضائية تسعى لنفس الغرض، كي تجبر حماس رفع الراية البيضاء في غزة ، ولتقول بصوت عالٍ " إني أستسلم " لا أستطيع إدارة غزة، وإرغامها بقبول مصالحة " سلم غزة ".
ولعل خيارات حماس للتعامل مع هذه الحالة الخانقة ومواجهة الموقف:
• خيار المصالحة: من خلال الدعوى لمصالحة جدية مع عباس، والتنازل قليلاً لمطالبه، ولعل هذا الخيار قد يعيقه عباس خاصة وأنه يريد من حماس أكثر من ذلك قد يصل بالطلب للتنازل أكثر فأكثر وقد يمس سلاح المقاومة.
• الطعن بقرار المحكمة: بأن تتجه حماس للقضاء المصري، وتوكيل محامين ودفاع قوي لمتابعة القضية واستئناف الحكم.
• التحلي بالحكمة وتقدير الموقف: من المعلوم بأن علاقة حماس والفصائل الفلسطينية مع النظام المصري منذ عهد مبارك عبر جهاز المخابرات المصري، لذلك فإن المطلوب حالياً من حماس التحلي بالحكمة من خلال تقييم الواقع والمستجدات من الأحداث وكيفية تعاطي النظام المصري والاجهزة الأمنية مع هذا القرار، دون الانجرار نحو التأزيم وتأجيج الموقف وأن يبقى في صداه الإعلامي بالتأكيد على أنها حركة مقاومة فلسطينية، لا تتدخل بالشأن المصري.
أما الحديث عن ضربة عسكرية مصرية فهذا القرار لا ينبع من قرار محكمة، لكنه سيناريو وارد ضعيف خاصة بالوقت القريب، فالجيش المصري لا يستطيع توجيه ضربة دون موافقة إسرائيلية على ذلك، وهل تسمح بيئة سيناء بذلك أم لا، ولكنه يبقى وارداً ومتوقعاُ، وهستيريا ليبيا قد تتكرر مع غزة، ولكن الواضح بأن حماس لن تتعامل مع هذا السيناريو إلا بعد تقدير موقف، ولن تسمح لنفسها بحرف البوصلة واستنزاف مقاومتها في غير محلها.
بقلم / عماد أبو الروس