جيفارا غزة .. ثائر من بلدي

بقلم: عبد الناصر فروانة

تصادف اليوم الاثنين، التاسع من آذار، الذكرى 42 لاستشهاد المناضل والأسير المحرر/ محمد محمود الأسود الذي اشتهر باسم "جيفارا غزة".

ولد محمد محمود مصلح الأسود (جيفارا غزة) في السادس من كانون ثاني/يناير عام 1946 في مدينة حيفا وبعد النكبة 1948 نزح إلى مخيمات قطاع غزة ، وفي بدايات العام 1963 انضم لحركة القوميين العرب ليصبح عضواً ناشطاً فيها، ومن ثم انضم للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد انطلاقتها في  الحادي عشر من كانون أول/ديسمبر وأصبح أحد أبرز مقاتليها وقياداتها.

وفي الـ 25 من كانون الثاني/يناير1968 اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي وزجت به في زنازين سجن غزة المركزي، وتعرض لأبشع صنوف التعذيب، إلا أنه لم يبح بأسرار رفاقه ولم يخن من منحوه الثقة. ومكث وقتئذ سنتين ونصف السنة.

وخلال وجوده في السجن لم يهدأ أو يستكين، ولم تحيده السلاسل والقضبان أو قساوة السجان عن نهج الثورة قيد أنملة، فبقيّ على علاقة تواصل مع رفاقه خارج الأسر وواصل نضاله وإصدار توجيهاته وتعليماته بشن المزيد من العمليات ضد قوات الاحتلال وإلحاق أفدح الخسائر البشرية بهم.

"محمد الأسود" وبعد إطلاق سراحه منتصف العام 1970، حمل مسؤولية قيادة الجهاز العسكري والعمل الفدائي للجبهة الشعبية في قطاع غزة، وحمل اسماً حركياً جديداً هو "جيفارا غزة" تيمماً وتقديراً وإعجاباً بتجربة وشخصية الثائر الأممي "أرنستو تشي جيفارا". فأجاد فنون المطاردة والتخفي وسرعة الحركة والتنقل والاختفاء في الملاجئ وغيرها من أساليب المقاومة الشعبية وحرب الشوارع، فذاع صيته وتردد اسمه بكل فخر على كل ألسنة الناس وافتخر به رفاقه وشعبه وأمته العربية جمعاء،  ويخشاه العدو وعملائه في كل زمان ومكان.

وفي التاسع من آذار عام 1973 تمكنت قوات الاحتلال من معرفة مكان وجود "جيفارا غزة" فحاصرت البيت الذي كان متواجداً به خلف مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة، مستعينة بآلاف الجنود والدبابات وبغطاء جوي، إلا أن "جيفارا" ورفيقيه عبد الهادي الحايك وكامل العمصي رفضوا الاستسلام واشتبكوا مع قوات الاحتلال إلى أن استشهد ثلاثتهم، مما دفع وزير الدفاع آنذاك "موشيه ديان" إلى الحضور الى القطاع شخصياً للتأكد من استشهاد "الأسود" الذي أقضَّ  مضاجعهم.

وقد يكون هذا اليوم اعتيادياً لملايين البشر في هذا الكون،  لكنه ليس عادياً للشعب الفلسطيني وقواه المناضلة والمقاومة عامةً، ولمن ناضل وقاتل وانتمى يوماً لصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خاصة. فهو اليوم الذي استشهد فيه "جيفارا غزة".

كيف لا وهو اسم لقائد فذ وشهيد حي في قلوبنا حفر في سجلات الثورة الفلسطينية، وارتبط بمرحلة نضالية مميزة. واسم زرع الرعب في قلوب جنود الاحتلال وقياداته العسكرية والسياسية، فلاحقهم ولاحق عملائهم، في شوارع المدن وأزقة مخيمات قطاع غزة، وألحق بهم الهزائم تلو الهزائم، مما دفع "موشيه ديان" وزير دفاع دولة الاحتلال آنذاك للقول "بأن قواتنا تحكم قطاع غزة نهاراً، والفدائيين تحكمه ليلاً "

"محمد الأسود" أو "جيفارا غزة" شخصية فلسطينية ثائرة، هي عنوان لتجربة فلسطينية فدائية جماعية رائعة في العمل الفدائي وفي حرب التحرير الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي امتدت لبضع سنوات، تستحق الإعتزاز والإفتخار وتقودنا إلى المناشدة لتوثيقها، لإنصافها وللاستفادة منها ومن دروسها وعبرها. وليس مهماً ان تكون قد انتميت يوماً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأطرها المختلفة كي تحترم هذا الثائر وتعشق تجربته المميزة، فيكفيك فخراً أنه ثائر من بلدي. وينتمي لوطني.

جيفارا غزة .. أنت في القلوب ساكناً، وفي مراحل الثورة حاضراً، أنت عنوان لتجربة فدائية جماعية يفخر بها كل فلسطيني وعربي، وعلامة بارزة ومتميزة في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال.

وتبقى التجربة الجيفارية اسطورة فلسطينية، تتناقلها وتتوارثها الأجيال المتعاقبة، حاضرة لم تغيبها الأيام من الذاكرة ولن تطويها صفحات السنين ولا يخفيها أو يلاشيها الزمن

بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

9-3-2015