لماذا زيارة ناصر جودة لطهران الآن..؟؟

بقلم: راسم عبيدات

وزير الخارجية الأردني ناصر جوده يزور طهران بعد قطيعة استمرت ثماني سنوات،زيارة دعا فيها الى حوار عربي- ايراني لمعالجة قضايا المنطقة،وما الذي تغير حتى ناصر جودة يزور طهران ويدعو الى حوار عربي – ايراني الآن؟؟ هل هي تعليمات المعلم والمشغل الأمريكي؟؟؟وهل قرب التوقيع على الإتفاق الإيراني- الأمريكي بشأن برنامجها النووي،الذي فشلت كل عربان الخليج ومشيخاته النفطية ومعهم اسرائيل في منع التوقيع عليه..؟،أم ان ما يحدث من تطورات في المنطقة،تحمل تغيرات ذات طابع استراتيجي لصالح ايران وحلفائها سوريا وحزب الله،وخصوصاً بعد أن أسقطت سوريا وايران وحزب الله الحزام الأمني على حدودها مع اسرائيل وأبادت جبهة النصرة التي كان الرهان عليها ان تكون "معارضة معتدلة" كبديل ل "داعش" في الحوار المستقبلي مع النظام السوري؟؟؟أم كل هذه العوامل مجتمعة،هي التي اوجبت تلك الزيارة؟؟

زيارة جاءت بعد رفض عربي شديد (سني) للحوار مع طهران،تحت ذريعة أن طهران هي عدوة العرب والتي تريد ان تحتل بلدانهم وتستولي على مقدراتهم وتنهب خيراتهم وثرواتهم،في الوقت الذي فتحوا فيه حواراً ومفاوضات مع اسرائيل التي تحتل وتغتصب فلسطين والجولان وسيناء وغيرها من الأراضي العربية،وكذلك كان معلم ومشغلهم الأمريكي يدير مفاوضات متواصلة مع طهران حول برنامجها النووي...ثلاثون عاماً من الحصار والعقوبات لم تفض من عضد القيادة الإيرانية،ولم تتنازل قيد أنملة عن مطالبها ومشروعها النووي،بل حتى في الحصار والعقوبات واصلت تصنيع وتطوير ترسانتها العسكرية ورفعت وزادت من معدلات نموها الإقتصادي،ووقفت الى جانب حلفائها وتمدد نفوذها الى العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين،حيث صواريخها التي زودت بها المقاومة في الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة (تموز/2014) دكت تل أبيب وحيفا،وغدت قوة إقليمية كبرى بفضل طول صبر قيادتها وحكمتها وإمتلاكها الإرادة والقرار والرؤيا والإستراتيجية،القائمة على الإعتماد على الذات،وليس كما هو حاول العربان والمشيخات النفطية،امريكا هي صاحبة الحل والربط في كل مناحي شؤون حياتهم،حتى تعيين قياداتهم ومعاشات ورواتب وزرائهم ونوابهم تدفع من خلالها،ومصانع أسلحتها تزداد مبيعاتها بأرقام فلكية وإقتصادها ينمو ويتقدم وينتعش بفضل أموال المشيخات والعربان،ولكن لا إحترام في هذا العالم للضعيف،مهما استجدا وذل وخنع و"إستنعج" وانبطح، فهم رغم كل هذا الفعل المهين والمشين لم يحصدوا ولم يحصلوا من أمريكا إلا على خيبة وراء خيبة وخذلان وراء خذلان.

بعكس القيادة الإيرانية التي لم تركع بالمطلق او تستجدي أمريكا...ولم تجبن قيادتها أو ترتبك او تنهار كما هو حال القيادات العربية المنهارة والبائلة في ألبستها،ولم تخش لا حاملات الطائرات ولا المناورات العسكرية ولا التهديدات بضربها وتدمير منشأتها النووية وترسانة أسلحتها،بل كانت تزداد إصراراً على مواقفها ومطالبها...ثلاثون عاماً من الحصار الإقتصادي والعقوبات المالية،وإستخدام عربان النفط والكاز في الحرب من خلال تخفيض أسعار النفط لضرب الإقتصاد الإيراني وإهارته لم تنجح....

زيارة جودة لطهران ودعوته للحوار من اجل مشاكل المنطقة،لم تأت من فراغ او بقرار أردني صرف،بل للأردن أيضاً مشغلين من مشيخات النفط والكاز تشاور معهم واعطوه الضوء الأخضر للزيارة،فكيري وزير الخارجية الأمريكي حمل لهم نصوص الإتفاق الإيراني- الأمريكي حول برنامج ايران النووي والتقى وزراء خارجيتهم في الرياض في قاعدة عسكرية،وقال لهم الإتفاق جاهز،وهو أهون الشريين ولا ضربة عسكرية لإيران،فتلك الضربة نتائجها غير مضمونة وثمنها باهظ جداً،وحاول ان يجرعهم السم جرعة جرعة ويهون عليهم ويهدأ من روعهم،بأن واشنطن لن تتخلى عن حلفائها،ولن تسمح لطهران بتهديد امن حلفائها،وهما باتوا على قناعة أن ما تقوله أمريكا شيء والواقع شيء آخر،فطهران غدت قوة إقليمية،وكل التقييدات على برنامج ايران النووي من تجميد تخصيبها لليورانيوم لمدة عشر سنوات وإخضاع منشأتها النووية للمراقبة من قبل وكالة الطاقة في فينا بشكل صارم،كل ذلك مجرد "ذر للرماد في العيون" وحفظ لكرامة امريكا وماء وجهها،فالإتفاق لا يتضمن تدمير مخزون ايران من اليورانيوم المخصب او تدمير منشأتها النووية،وكذلك فالعقول والعلماء الذي أعدوا هذا البرنامج وصنعوه جاهزين في أي لحظة لتطويره وتصنيع أسلحة الدمار الشامل،إذا لم تكن امريكا قد وصلت الى قناعة بأن ايران تمتلك السلاح النووي سراً.

 

العربان لا يريدون أن يحترموا ذاتهم وان يكون لهم مشروعهم الخاص الذي يواجهوا به المشاريع المضادة،تركلهم امريكا يتجهون بإتجاه طلب الحماية من اسرائيل او اوروبا الغربية او تركيا أو أي دولة أخرى.

لماذا لا يكون مشروع عربي متكامل عسكري واقتصادي وتنموي،فالعرب لديهم كل الإمكانيات والطاقات المال والجيش والثروات التي اذا ما احسن استخدامها تضع العرب في مصاف الدول الكبرى،وتجعل العالم يحترمهم ويقدرهم ولا يستطيع ان يتجاوزهم أو لا يأخذ مصالحهم بعين الإعتبار..؟؟

مشروع عربي تنموي يستند للعدالة الإجتماعية وإطلاق الحريات وإشاعة الديمقراطية من شأنه ان يخلق ويبني امة عربية لها مجدها وعزتها وكرامتها وفعلها وتأثيرها في قضايا العالم والإقليم.

جودة يدرك تماماً كما هو حال عربان ومشيخات النفط،بأن الحوار مع طهران يعني الحوار على اكثر من جبهة من سوريا وحتى اليمن،فإيران حاضرة في كل تلك الساحات،وهي ستكون قوة إقليمية لها مصالحها وحلفائها الذين ستدافع عنهم وتقف الى جانبهم.

هل بات العرب يدركون ويعون بأن ايران ليست هي عدوة العرب،كما روجت لهم امريكا واسرائيل،وكما أوهمتهم بأن برنامج ايران النووي سيتم تدميره،وهي لن تسمح لها بإنتاج السلاح النووي..؟؟ وكذلك طلبت منهم الترويج لقضية الفتنة السنية – الشيعية،كجزء من الحرب التي تشن على ايران،والتي فيها العرب خاسرين،فما نشهده في عالمنا العربي من قتل وذبح وتدمير ونهب للخيرات والثروات وتفكيك للجغرافيا واعادة تركيبها من جديد خدمة للمشروع الأمريكي،هو نتاج أكاذيب أمريكا...؟؟

بقلم/ راسم عبيدات