يراقب الكثير من الاقتصاديين وغير الاقتصاديين للارتفاع المستمر للدولار مقابل الشيقل في الأراضي الفلسطينية, حيث قفز سعر الدولار لحدود 4 شواقل في الأيام السابقة, هذا الارتفاع في سعر الدولار هو الأعلى منذ سنوات ويعتبر هذا الارتفاع حقيقياً وليس عابراً, حيث أن السبب الرئيس لارتفاع سعر صرف الدولار للتحسن في أداء الاقتصاد الأمريكي حيث جاءت تقارير سوق العمل إيجابياً أكثر من المتوقع, حيث ارتفعت عدد الوظائف غير الزراعية بمعدل 195,000 وظيفة ,وارتفعت الوظائف خلال العام 275,000 وهي الأعلى منذ العام 2000, هذا يعني أن هناك تحسناً في الاقتصاد الأمريكي يظهر جلياً بتراجع معدلات البطالة وبلوغها 5.5%, مما عزز الثقة أكثر بالدولار كملاذ أكثر أمناً وانعكس ذلك على سعر صرفه بالارتفاع مقابل العملات الأخرى, كذلك لعب سعر الفائدة الصفري بالولايات المتحدة الأمريكية وخطط التيسير الكمي ( شراء السندات الشهرية وضخ المليارات في الأسواق لتنشيط الأسواق) دوراً في التحسن الاقتصادي والتعافي الأمريكي بعد 6 سنوات من اندلاع الأزمة المالية العالمية في أكتوبر 2008, حيث ساهمت الأزمة المالية بحدوث ركود في الاقتصاد الأمريكي وتدهور الدولار وارتفاع معدلات البطالة وتراجع الطلب الكلي بحوالي 3 تريليون دولار سنوياً, وانتهجت الولايات المتحدة الأمريكية عدة تدابير للخروج من الأزمة منها ضخ المليارات في الأسواق وشراء الأصول المتعثرة والهالكة, وبعد ذلك تنفيذ سلسلة من برامج التيسير الكمي بدأت بحوالي 85 مليار دولار شهرياً لشراء السندات الحكومية ثم تراجعت لحدود 55 مليار دولار ثم إلى 25 مليار ثم توقفت عن تلك البرامج, وهذا التوقف عن البرامج ساهم بتعزيز الثقة بالاقتصاد الأمريكي وارتفاع الطلب على الدولار وارتفاع سعر صرفه, كذلك ومنذ تفجر الأزمة المالية قام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض سعر الفائدة لحدود الصفر بالمائة, هذا الانخفاض في أسعار الفائدة ساهم بزيادة الاقتراض والاستهلاك والذي يعد المصدر الرئيس في نمو الاقتصاد الأمريكي كونه القطاع الأكثر تنشيطاً للنمو وللاستثمار, كذلك فسيساهم انخفاض معدلات البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية في مارس 2015 وتحسن سو ق العمل إلى إمكانية رفع الولايات المتحدة الأمريكية لسعر الفائدة بشكل محدود وهذا من شأنه أن يعطي دفعة قوية للدولار بالارتفاع في الأيام القادمة مقابل العملات الأخرى وأهما اليورو الذي تراجع بشكل كبير وبلغ أدنى سعر صرف عند 1.08 دولار لكل يورو بعدما بلغ سابقا 1.4 دولار لليورو الواحد.
أما سعر صرف الدولار مقابل الشيقل فإنه في ارتفاع طفيف وسيبقى يتراوح ما بين 3.9 – 4.2 خلال الشهور الثلاثة الأخيرة, كذلك سيحافظ على هذا المستوى طيلة العام 2015, وقد يشهد تذبذبات طفيفة في ظل بعض الإجراءات التي من الممكن للبنك المركزي الإسرائيلي اتخاذها, فبعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة خرج الاقتصاد الإسرائيلي متعافياً وحقق تحسناً في سوق العمل وظهر ذلك بتراجع معدلات البطالة وزيادة النمو الاقتصادي وزيادة الأرصدة من العملات الأجنبية والتي بلغت 85.3 مليار دولار نهاية فبراير 2015.
الأيام القادمة مقبلة على ارتفاع للدولار في السوق الفلسطيني وسترك أثاراً كبيرة على الواقع المعيشي من خلال ارتفاع اسعار الواردات, حيث يعتمد السوق الفلسطيني على إسرائيل بشكل كبير في تجارته الخارجية, حيث بلغت قيمة الواردات عام 2013 حوالي 4.580 مليار دولار مقابل 840 مليون دولار صادرات وتشكل التجارة مع إسرائيل قرابة 80% , هذا الارتفاع في الأسعار لا يصاحبه ارتفاع في الدخول والأجور في الأراضي الفلسطينية مما يعني مزيداً من تدني مستويات المعيشة لجُل الأسر الفلسطينية والغزية تحديداً.
أما عن سعر الصرف فسيتراوح ما بين 3.9- - 4.2 شيقلاً لكل دولار, حيث سينجم عن امكانية رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة ولانخفاض سعر النفط ( حيث ساهم تراجع النفط بنمو الأجور في الولايات المتحدة الأمريكية والتي أدت لنمو الاستهلاك ومن ثم نمو الناتج) محاولة للضغط على الدولار نحو الارتفاع, كما أن تحسن أداء الاقتصاد الإسرائيلي وامكانية خفض سعر الفائدة لدون 0.10 % سيزيد من الاستقرار أكثر عبر زيادة الاقتراض لتمويل المشاريع الاقتصادية والاستهلاك كأهم شق للطلب الكلي , ومن خلال تلك المؤشرات يمكن القول بأن الارتفاع في صرف الدولار مقابل الشيقل هو حقيقي وليس عابراً .
أما عن حجم الخسائر التي ترافق ارتفاع الدولار في الأراضي الفلسطينية في ظل عدم وجود عملة وطنية أو بالأحرى عدم وجود إنتاج حقيقي فمن الصعب التكهن بقيمة الخسارة ولكن ستنعكس في مستويات الأسعار, وتدني مستويات المعيشة , وتراجع بعض الأنشطة التي تُعتبر مدخلاتها الأولية سلع مستوردة من الخارج بالدولار, ونظراً لأن الأراضي الفلسطينية تتعامل بثلاث عملات ( الدينار الأردني والذي يستعمل في شراء الأراضي, المهور, الذهب, والدولار والذي يستعمل لشراء السيارات والكماليات والشقق السكنية, والشيقل لاستهلاك بقية السلع الأساسية وغير الأساسية) فإن الآثار تنعكس أكثر على نسبة أكبر من الفلسطينيين المستهلكون, أما المستفيدون من ارتفاع الدولار فهم نسبة محدودة كالمستوردين وتجار العملات, وتجار الأراضي والعقارات وأصحاب الدخول المرتفعة والمتغيرة وغيرهم.
وفي الختام فلا يمكن كبح جماح ارتفاع الأسعار أو تحقيق الاستقرار النقدي والاقتصادي في الأراضي الفلسطينية دون وجود إنتاج حقيقي وسياسات اقتصادية فاعلة وعملة وطنية وهذا شئ شبه مستحيل لوجود الاحتلال من جهة والأهم عدم وجود إنتاج حقيقي في الاقتصاد الفلسطيني , حيث تراجع كلاً من الإنتاج الزراعي والصناعي وهذه المشكلة الرئيسية في الاقتصاد الفلسطيني, بهذين القطاعين في حال تنميتهم يمكن الحديث عن إمكانية وجود سياسات اقتصادية فاعلة ولإمكانية وجود عملة مستقبلاً بعد إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة , فإعلان دولة يلزمه وجود اقتصاد قادر على الاستمرار والصمود وهذا الاقتصاد لا يمكن قيامه دون وجود حجم معين من الإنتاج الحقيقي من خلاله يمكن إيجاد عملة, وكل ذلك مرتبط بوجود حل سياسي , ودون ذلك فلا يمكن الحديث عن سياسات اقتصادية فاعلة رغم وجود امكانية لاتباع سياسات مالية قد تحد من تلك المشكلات الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية ومنها إعادة النظر ببنود الموازنة بإعطاء أولوية للمشاريع التطويرية والتنموية , وكذلك النظر بالسياسة الضريبية بحيث لا تنعكس على الشرائح الفقيرة وأن يرافق كل سياسة اقتصادية تحقيق بعداً اجتماعياً, كذلك منع التهرب الضريبي , دعم المنتج الوطني, تفعيل الثورة البيضاء ( المقاطعة), ووضع حد أدني للرواتب والأجور يزيد عن حد الفقر أي ألا يقل عن 2800 شيكل كذلك حد أقصى للرواتب والأجور لا يزيد عن 7000 شيكل, وحدوث تقشف في بعض بنود الموازنة لا تنعكس سلباً على الواقع الاقتصادي والمعيشي للموظفين, تفعيل برامج الحماية الاجتماعية ببعد تنموي , والعمل على الحد من ارتفاع معدلات البطالة في الأراضي الفلسطينية .
بقلم / حسن عطا الرضيع
باحث اقتصادي/ غزة