لا تزال أصداء خطاب الملك سلمان بن عبدالعزيز يوم الثلثاء الماضي تتردد في الميديا العربية والعالمية، ورأيت أن أؤخر تعليقي على الخطاب إلى نهاية الأسبوع حتى لا يضيع في الزحام.
بعضهم يقول ما لا يفعل، وبعضهم كالملك سلمان يفعل ما يقول. وقد سرني كثيراً أن الملك بعد حديثه عن الأمن والتعليم وهبوط أسعار النفط تحدث عن القضايا العربية والإسلامية التي نذرت السعودية نفسها لنصرتها، واختار من كل هذه القضايا أن يقول: وفي مقدمة ذلك تحقيق ما سعت وتسعى إليه المملكة دائماً من أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وإقامته دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
هذا الكلام من ملك المملكة العربية السعودية أو أي قائد عربي يستحق أن يُكتب بماء الذهب، فأعيد القارئ إلى ما سجلت قبل أسابيع عن الاجتماع التاريخي بين الملك عبدالعزيز والرئيس الأميركي فرانكلن ديلانو روزفلت على ظهر المدمرة «كوينسي» في البحيرات المرَّة وسط قناة السويس.
الرئيس المريض (الذي توفي بعد أسابيع) ترك مؤتمر يالطا مع ستالين وتشرتشل ليطلب من الملك عبدالعزيز أن يسمح العرب لليهود بالاستيطان في فلسطين بعد ما لقوا من مجازر على أيدي النازيين. كان روزفلت رجا الملك عبر يومين من الجلسات أن يؤيد طلبه، إلا أن الملك رفض بحزم واقترح على روزفلت أن يعطي الحلفاء الضحايا من اليهود بيوت الألمان وأرزاقهم لأننا، أي العرب والفلسطينيين، لم نفعل شيئاً ضد اليهود.
الملك سلمان إبن أبيه وطنية وأرجو أن أرى كلماته تترجَم إلى مواقف عملية على طريق تحرير فلسطين من المحتلين.
أسجل هذا وأنا أدرك تماماً أن التحديات التي تواجهها الحكومة السعودية كثيرة وكبيرة، وربما غير مسبوقة في الوطن العربي الحديث الذي عاصرتُ أحداثه على مدى العقود الأخيرة.
هبوط أسعار النفط ليس قضية كبرى عندما ننظر إلى الخريطة ونرى كيف تواجه المملكة العربية السعودية تحديات من كل جانب، فهناك الطموحات الإيرانية / الفارسية من الشرق، وإرهاب داعش والإرهابيين الآخرين من الشمال، وخطر الحوثيين والقاعدة في الجنوب. بل إن الغرب ليس في أمان، ومصر تواجه إرهاباً في سيناء قد يفيض عن شبه الجزيرة ليهدد القريب والبعيد. وإذا كان ما سبق لا يكفي، فهناك تهديد داخلي إنكاره يزيد من خطره، مع وجود شباب ضالين مضلَلين، ودعاة متطرفين هم بين ألد أعداء الإسلام والمسلمين.
مع ذلك، أجد أسباباً للاطمئنان وسلمان بن عبدالعزيز يدير دفة الحكم، فقد عرفته على مدى عقود، ورأيته يجمع بين إدراك عميق لحاجات أهل بلده، فأمير الرياض كان يرى المواطنين كل يوم، وكم مرة جلست إلى جانبه أسمع ردوده عليهم، وبين بُعد عربي وعالمي لعمله، فكان أول ما رأيته في لبنان، وأيضاً في الولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا وفرنسا وغيرها. ولعله أكثر الزعماء العرب إطلاعاً على الأخبار، فالوكالات العربية والعالمية ترافقه في إقامته وسفره، وهو أحياناً زاد لي معلومات على ما تنشر الجريدة، وقد سجلت كثيراً من هذا في حينه فلا أكرره اليوم.
أرجو الخير للسعوديين والفلسطينيين والعرب والمسلمين جميعاً على يدَي سلمان بن عبدالعزيز.
جهاد الخازن