اجزم بانه لا يختلف اثنان على ان الحالة الفلسطينية ومنذ سنوات طويلة في أزمة حقيقية معقدة ومركبة. أزمة سلطة وأزمة استراتيجية، أزمة مالية وأزمة داخل وخارج، أزمة م ت ف وأزمة وجودها ومؤسساتها اضافة إلى أزمات في كل ما يخص العطاء السياسي والبنية السياسية والجيواجتماعية الفلسطينية. المسؤول عن هذا الوضع المزري ليس فقط الاحتلال والقوى العالمية والقطرية الداعمة له كما يدعي أهل السلطتين الفلسطينيتين في رام الله وغزة ومن دار في فلكهم لذر الرماد في العيون، وليس فقط الحزب المتسلط على الحالة الفلسطينية منذ بداية النضال الفلسطيني في عام ١٩٦٥ كما يدعي اليسار الفلسطيني وليس المسؤول فقط هو الاسلام السياسي الذي لم يحدد بعد أولوية أجندته الوطنية الفلسطينية كما كنا نكتب ونحلل، المسؤول عن هذا الوضع هو أيضاً، وبرأيي بشكل أساسي، اليسار الديمقراطي الفلسطيني ممثلا بالجبهتين الديمقراطية والشعبية وبحزب الشعب الفلسطيني. هذه الحركات الثلاثة لم تحسم أمرها بعد بماذا تريد من تعاطيها بالعمل السياسي الفلسطيني الداخلي وبقيت ومذ سبعينات القرن الماضي وحتى الان احزاب ديكور لم تفكر يوما حقا وبجدية ما بانتزاع السلطة والتنافس عن قناعة على قيادة الشعب والقضية. المجموعات الثلاثة بقيت حركات سياسة تتعاطى بصغائر الأمور وتسمح للحزبين المتنفذين في الحالة الفلسطينية منذ مطلع التسعينات على الأقل بالعبث بها كما شاؤوا. تارة تغامز فتح الديمقراطية وتارة الشعبية وحزب الشعب وتلتف عليهم باسم الوحدة الوطنية المزورة وتارة نراقب عشق سياسي صبياني بين حماس والشعبية باسم الوحدة في خندق المواجهة وما هذه المغامزات والتقربات الا مناورات لضرب الخصم الداخلي او هي منافسة داخلية بين احزاب اليسار الديمقراطية نفسها للحصول على فتات امتيازية هنا او هناك. هذا السجل وهذه العلاقة بين ألوان الطيف السياسي الفلسطيني ليس غريبة بل هي دون شك معركة سياسية مفتوحة ومشروعة بين فتح وحماس لكسب ود الأحزاب الديمقراطية الثلاثة وسحبها الى طرفها والاستقواء بها ضد الخصم السياسي الداخلي.
السؤال هو ليس ما تحيكه كل من فتح وحماس من مصائد لقوى اليسار الديمقراطي، هذه لعبه ديمقراطية مشروعة كما ذكرت، وان كانت في بعض الأحيان وخصوصا في الحالة الفلسطينية الآنية عبث سياسي ليس بالضرورة خدمة للمصلحة الوطنية العليا. السؤال الأصح والأنسب هو هل تستطيع قوى اليسار الديمقراطي تستطيع كل منها على حدى مواجهة المناورات السياسية لطرفي التسلط الفلسطيني، فتح وحماس؟ والسؤال الثاني الذي أطرحه على قوي اليسار الديمقراطي هو متى ستدرك عندكم بان الشعب الفلسطيني يتتوق الى بديل عن حزبي الإفلاس السياسي وانه من واجبكم الوطني طرح هذا البديل الذي طالما تتغنون به في وثائقكم وتحليلاتكم وبرامجكم ونداءاتكم... وما أكثرها!
الجواب على تساؤلاتي وللأسف الشديد واضح ويثبته الماضي والحاضر يوما بعد يوم. احزاب اليسار الديمقراطي الفلسطيني أصبحت نيازك في الفلك السياسي الفلسطيني دون هدف محدد، وان لم تجتمع سويا بإطار جبهوي موحد لتتحول الى نجم ساطع لقيادة النضال الفلسطيني بعد الفشل الذريع لطرفي التسلط سيكون مصيرها الاحتراق شبه الكامل ولا استبعد أيضاً الاندثار والذوبان.
الأطراف الثلاثة الرئيسة لليسار الديمقراطي الفلسطيني ورغم التباين الأيديولوجي الطفيف بينهم الا ان خطها الاستراتيجي وطرحها السياسي اليومي ورؤيتها لمستقبل فلسطين أرضا وكيانا وشعبا لا تكاد تختلف عن بعضها البعض. هنالك فرق في طرق النضال ضد الاحتلال بين أطراف اليسار الديمقراطي لكن هدف النضال واحد. وهنالك تطابق شبه كامل لبنية المجتمع الفلسطيني المستقبلي بعد دحر الاحتلال وتطابق كامل بنوع سلطة الحكم في فلسطين الحرة ومميزاتها وعلاقاتها الإقليمية والعالمية.
باختصار شديد أنا، واظن انني لست وحدي، لا اعرف سبب عدم الوحدة بين الأطراف الثلاثة لليسار الفلسطيني؟ وان تعذرت الوحدة المؤسساتية والعضوية الكاملة الان، ما هو العائق امام عمل سياسي جبهوي موحد يتم به تقديم جبهة اليسار الديمقراطي الفلسطيني بديلا عن احزاب الضياع الوطني؟ اهي حقا المصالح الفؤية وايضاً الشخصية الضيقة لبعض المتنفذين في الأحزاب الثلاثة؟ ام هو الخوف المخيم على التيارات الثلاثة من بعضهم البعض وعدم الثقة بين قيادات التنظيمات؟ مهما كانت أسباب عدم وحدة اليسار الديمقراطي الفلسطيني الا ان النتيجة واحدة وهي خسارة وطنية من الدرجة الاولى يدفع ثمنها الشعب المناضل ويتحمل المسؤولية ليس فقط قيادات اليسار الديمقراطي بل أيضاً قواعدها التي لم تنتفض بعد على قياداتها الهرمة تجبرها على الوحدة من اجل الوطن والقضية ومن اجل مستقبل أفضل لفلسطين شعبا وأرضا وقضية.
اليسار الفلسطيني ورغم علاقاته المتينة مع حركات التحرر اليسارية العالمية الا انه لم يتعلم الكثير من أصدقاءه في أمريكا اللاتينية ولا من أصدقاءه في جنوب افريقيا ولا من أصدقاءه في اليونان وإسبانيا. اليسار الفلسطيني يخوض معركة الاندثار الذاتي دون ان يعي ان هذا أيضاً اندثار للقضية الوطنية برمتها.
مقال بصفحة ٢٣
رائف حسين - المانيا