نزار قباني وصراع الزمن مع الجغرافيا

بقلم: مأمون شحادة

عندما نقرأ قصائد الشاعر نزار قباني فبالتأكيد ان مخيلتنا العقلية تتجه نحو المرأة لما تحوي أشعاره من مغازلة صريحة ومفعمة بالحب والانبهار الأنثوي، لذلك أطلق عليه “شاعر المرأة.

قباني وفي كل أشعاره دائم الحديث عن أبجديات الجمال الأنثوي، حتى أن قصائده امتدت لتشمل وصف تعرجات الإغراء من قمة الرأس الى أخمص القدم، في مشهد ترتعش له الغريزة الإنسانية، وكأنك تسكن منطقة تبعدك عن الرقابة المجتمعية.

سؤال يطرق بحور الشعر وعقول من يتذوقون كلمات قباني، هل كان شاعرنا يقصد المرأة؟ ام ان أشعاره تقمصت انوثة حواء في اشارة الى اشياء اخرى؟

بالتأكيد ان قصائد شاعرنا تقمصت كل معاني الأنوثة في صفحات تستوجب البحث عن اسباب كتابتها، وليس الاكتفاء بكلمات تُفسر حسب الاهواء والغرائز الوقتية، والمتدبر اشعاره يدرك جلياً انه يتغزل بحب الوطن واصفاً اياه بالمرأة، لأنها تستطيع المزج بين الجمال والحنان وروح الوطن، باعتبارها مرآة للانتماء، رابطاً شعره بالحكمة القائلة “إياك أعني واسمعي يا جارة.

لو تناولنا مقطعاً من قصيدة “زيديني عشقاً” لوجدنا ان الانتماء يطرق ابواب السمع والبصر والقلوب هياماً في حب الوطن، على سبيل المثال: “حبكِ خارطتي ما عادت خارطة العالم تعنيني.. أنا أقدم عاصمة للحزن وجرحي نقش فرعوني.. وجعي يمتد كسرب حمام من بغداد إلى الصين”، كذلك تغنى قباني في حب الحرية وطلبها قائلاً: “فأنا من بدأ التكوين.. أبحث عن وطن لجبيني عن حب امرأة يأخذني.. لحدود الشمس ويرميني”، ولم يغفل شاعرنا ايضاً فداء الأوطان بالأرواح والدماء دفاعاً عنها، مبيناً – من ناحية ذكورية - هجر كل شيء فداء وتضحية: “من أجلك أعتقت نسائي.. وتركت التاريخ ورائي.. وشطبت شهادة ميلادي.. وقطعت جميع شرايني.

ومن اروع ما قال قباني، كـ “عنوان” لأغلب قصائده الشعرية: “أنا يا صديقة متعب بعروبتي”، والصديقة هنا دلالة على مخاطبة الوطن المتقمص في ثنايا حواء، وأيضاً قال في قصيدة اخرى تُجسد المعنى الصحيح لأشعاره: “أحاول منذ الطفولة رسم بلادٍ تسمى مجازاً بلاد العرب.. تعلمني أن أكون على مستوى العشق دوماً”، وفي ذلك دلالة على المخاطبة الضمنية، لرسم صورة فاتنة عن بلاد تسمى الوطن وعن اصطلاح يسمى المواطنة

الأصح عندما نقرأ أشعار قباني ان نتمعن وندرك ما بين السطور وليس الاكتفاء بقراءتها هكذا، فالهيام والطيران في فضاء أشعاره سيرسم ألف صورة وصورة بشرط ألا تصبغ بمعان غرائزية وقتية.

بناء على ما ذكر اعلاه، نستطيع الوصول الى نقطة الالتقاء والإنصاف أن شاعرنا يرمي من وراء اغلب قصائده المزينة بالتقاسيم الأنثوية " ان بيتك الاول هو بطن حواء، وقبل خروجك الى وطنك الإقليمي الثاني بمخاض صعب ترافقه صرخات الميلاد والأمومة، عليك معرفة ان بيتك الآخر ليس له قيمة بدون حاضنتك الأولى (الأم) ".

بقلم / مأمون شحادة

كاتب صحافي من فلسطين