أهالي غزة والنقب ما هي حصصهم من مشاريع المياه؟

بقلم: سليمان الشيخ

لا شك أن الأردن بحاجة ماسة إلى المياه، خصوصا في فصل الصيف، وفي أيام الشحائح المطرية، وكان اتفاق وادي عربة عام 1994 بين الأردن وإسرائيل قد تضمن تزويد الأردن بنحو عشرين مليون متر مكعب من مياه بحيرة طبريا في فصل الصيف، على أن تستردها إسرائيل في فصل الشتاء. ويعتبر الأردن ثالث أفقر بلدان العالم في الثروة المائية، ولا يحصل الفرد فيه إلا على نحو 20 ميلليمترا من المياه في السنة، علما أن أدنى المستويات التي حددتها منظمة الصحة العالمية تصل إلى 500 ميلليمتر، وحددت جهات أخرى ألف ملليمتر.

ولو أضفنا إلى ذلك ما عاناه الأردن من عودة آلاف الأردنيين إلى بلادهم من الغربة بإرادتهم، أو بفعل ظروف مستجدة طاردة، وتدفق مئات الآلاف من لاجئي سوريا منذ العام 2011، ما مثل ضغطا هائلا على موارد المياه المحدودة والشحيحة في الأردن. ولم ينجح مشروع نقل مياه "الديس" بالقرب من الحدود الأردنية – السعودية في توفير ما يكفي من الاحتياجات المتصاعدة للمياه في الأردن. الأمر الذي دعاه للمسارعة إلى توقيع اتفاق مع السلطتين الإسرائيلية والفلسطينية، يقضي بإقامة مشروع ناقل للمياه بين البحر الأحمر والبحر الميت، وذلك في محاولة لإعادة إحياء الأخير وإنقاذه من موت قدره بعض الخبراء أنه لن يتجاوز الخمسين عاما. علما أن المسبب الأساس لانحسار مياه البحر الميت وقلتها المستجدة، ما أدى إلى انحسار مساحة البحر، هي إسرائيل بمشاريعها المائية التي أقامتها على نهر الأردن الأعلى بفروعه وجداوله، والتي كانت تصل من لبنان وسوريا وتحويلها بعد وصولها إلى بحيرة طبريا، إلى منشآت في سهل البطوف الفلسطيني المحتل، لتحليتها وتنقيتها، ونقلها بواسطة أنابيب كبيرة إلى مدن وبلدات الساحل الفلسطيني، ثم إلى العديد من مستعمراتها في النقب، بعد أن كانت مياه نهر الأردن تتوجه من شمال بحيرة طبريا لتلتقي بمياه نهر اليرموك، لتتوجه بعدها إلى البحر الميت، الذي فقد كمية من المياه تصل إلى ما يزيد على 500 مليون متر مكعب بعد إقامة المشاريع الإسرائيلية.

 

تفاصيل مقلقة

 

بحسب ما نشرته أجهزة الإعلام، فإن الاتفاق الذي تم توقيعه مؤخرا، لنقل المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت، نص على نقل 100 مليون متر مكعب من مياه البحر الأحمر بالقرب من مدينة العقبة الأردنية بواسطة الأنابيب إلى منطقة "الريشة" شمالا، وتبعد عن الحدود الفلسطينية بنحو 4 كيلومترات، وهناك تقام منشآت التحلية والتنقية، ومشاريع أخرى تتعلق بالكهرباء والسياحة والصناعة، ثم توالي المياه تدفقها في الأنابيب وصولا إلى البحر الميت، بعد أن تكون قد قطعت نحو 200 كيلومتر.

وذكرت أجهزة الإعلام أن الأردن هو الذي تولى تمويل المشروع بقرض من البنك الدولي قدره 900 مليون دولار. وذلك لتمويل المرحلة الأولى من المشروع، الذي قدرت بعض الأوساط أنه سينقل نحو 1000 مليون متر مكعب من المياه المحلاة، على أن يتم توزيع حصص المئة مليون متر مكعب الأولى بواقع 50 مليون متر مكعب لإسرائيل و30 مليونا للأردن، و20 مليونا للسلطة الفلسطينية، على أن تتولى إسرائيل تزويد الأردن بنحو 20 مليونا من مياه بحيرة طبريا.

ما لفت الانتباه في التعليقات الإعلامية أن إسرائيل ستتولى نقل كميات من المياه إلى صحراء النقب المحتلة، لإقامة مستعمرات جديدة، وتزويد المستعمرات القائمة بمزيد من كميات المياه المحلاة من المشروع الجديد، هذا إضافة إلى إقامة منشآت حيوية صناعية وزراعية وخدمية، بينها المزيد من المطارات وميادين للتدريب والقتال والمناورات وغيرها.

 

تجاهل

 

علاوة على كل هذا، فإن أجهزة الإعلام التي كتبت عن المشروع الجديد، لم تذكر أن الأردن أو السلطة الفلسطينية كانت لهما مطالبات محددة غير التي ذكرتها، كأن تطالب السلطة الفلسطينية بإقامة مشاريع للمياه والكهرباء، لتزويد قطاع غزة على سبيل المثال، باحتياجاته من هذين العنصرين المهمين لحياة الإنسان، حيث يعاني القطاع شحا وضائقة خانقة في نقص هذين العنصرين المهمين. وتتولى إسرائيل التحكم في إيصال أو منع كميات النفط المناسبة لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في غزة، كما انها استنزفت آبارا عدة للمياه كانت تزود القطاع باحتياجات متواضعة من المياه. فلماذا لم يتم ذكر هذه الاحتياجات المهمة للقطاع. ولماذا لم يتم المطالبة بتوفير احتياجات سكان النقب من الفلسطينيين الذين يزيد عددهم عن نحو 220 ألفا، يسكن بعضهم في قرى وبلدات محرومة من خدمات الدولة من مياه وكهرباء ومدارس ومستشفيات وطرق وخدمات صحية نظيفة. بل وتتم مطاردتهم وهدم بيوتهم وجرف بعض زراعاتهم، بحجة أنهم يقيمون على أراض من أملاك الدولة، وأن لا أوراق ملكية للأراضي بين أيديهم، علما أن الأراضي هي من أملاكهم وورثوها أبا عن جد، ولم يستطيعوا الحصول على أوراق "طابو" نتيجة لظروف معقدة كثيرة، ساهم الاحتلال في تعقيدها ونشرها وفرضها.

أخيرا في مجال المفاوضات التي تم ترتيبها بين السلطات الإسرائيلية والسلطات الأردنية والفلسطينية، فقد تجاهلت بعض الأوساط الإسرائيلية الإعلامية، وجود السلطة الفلسطينية في المفاوضات، في محاولة ربما لطمس ومنع حق السلطة في المشروع الجديد، إذ كتب سمدار بن آدم في "إسرائيل اليوم" (5/3/2015) ما يلي: "توجه الأردن وإسرائيل وباقي الأطراف المستفيدة". هكذا وصل الأمر إلى تجاهل حتى اسم السلطة الفلسطينية في التوقيع على الاتفاق. فهل هذا يكشف عن نية سلطات الاحتلال بمصادرة المزيد من الأراضي التي سيمر بها المشروع الجديد، كما تم حرمانهم من مشاريع أخرى للمياه وغيرها من قبل ومن بعد؟

سليمان الشّيخ