إيران بعد اتفاق لوزان

بقلم: فايز أبو شمالة

ذكرت مصادر إسرائيلية أن أمريكا العظمى تنتظر التوقيع على اتفاقية لوزان مع إيران بلهفة، وأكدوا أن أمريكا تبدي ليونة غير معهودة في المفاوضات المتعلقة بالملف النووي الإيراني.
فما الذي يكمن وراء هذه اللهفة الأمريكية؟ هل هو الضعف الأمريكي، أم هو التخوف من القوة الإيرانية الصاعدة التي لا تقهر؟
قد يترجم البعض اللهفة الأمريكية خذلاناً لدول الشرق الأوسط وانحيازاً لإيران؟ وقد يدعي البعض أن هنالك مؤامرة أمريكية لتقاسم البلاد والعباد والمصالح في الشرق بين أمريكا وإيران، وقد يتشكك البعض بالسياسة الأمريكية إلى حد الاتهام بأنها تقوم بتسليم المنطقة إلى إيران بعد أن استغنت عن نفط العرب، ولن تصير أمريكا حارساً لمصالح الصين واليابان.
كثيرة هي التأويلات لمضامين اللهفة الأمريكية لانجاز اتفاق الملف النووي مع إيران، ولكنني أزعم أن اللهفة الأمريكية على إرضاء إيران قد بدأت منذ الغزو الأمريكي للعراق، من تلك اللحظة التي سلمت فيها أمريكا مقدرات العراق عن وعي ودراية إلى إيران، بهدف تشجيعها على التوسع في المنطقة، ومن ثم التمكين في أكثر من بلد عربي، ولا يأتي ذلك من منطلق الحب والحنان على دولة إيران، وإنما من منطلق التحريض الطائفي الهادف إلى استنهاض السنة، وحثهم على مواجهة الشيعة، لتحترق بالحرب الطائفية المنطقة وفق مخطط رامزفيلد وكندليزارايس.
الحرب الطائفية هي غاية المصالح الأمريكية في هذه المرحلة، وقد بدأت الحرب الطائفية على أرض العراق قبل عشر سنوات، واتسعت بالتدريج حتى تجاوزت سوريا ولبنان ووصلت حدود اليمن، إنها الحرب الطائفية التي رعتها أمريكا، وعملت لها سنوات، ووقع الجميع في فخها، ولن يجني ثمارها إلا أمريكا نفسها، ولن يزدهر من خرابها للأرض العربية والإسلامية إلا إسرائيل.
إن الإحساس الإيراني بنشوة القوة والانتصار لن يجلب لها الهدوء في الشرق، بمقدار ما سيفجر روح العداء والتنافس، فالضد يظهر حسنة أو قبحه الضد، والصعود الإيراني وقوة هذا البلد ستثير حنق وغضب جيرانها الذين بدءوا يشعرون بالخطر، وبدءوا بترتيب التحالفات لمواجهة الدولة الإيرانية أو الفارسية التي تمددت في المنطقة تحت سمع وبصر أمريكا. وستكون إيران بعد اتفاق لوزان أقل عداء للغرب وأمريكا مع مزيد من الأعداء في الشرق، وستدخل إيران مرحلة من الضائقة الاقتصادية جراء اتساع رقعة الحرب التي تخوضها بشكل مباشر أو غير مباشر، ولن ترى إيران الازدهار جراء رفع الحصار الاقتصادي المضروب عليها.
بقى أن أشير إلى الخوف الإسرائيلي من توقيع الغرب على اتفاقية الملف النووي مع إيران، وهنا أزعم أن الغضب الإسرائيلي مردة إلى توجس الريبة من نتائج الحرب الطائفية التي اندلعت في المنطقة، والتي ستكون نتائجها تحت أسوأ الظروف لا تخدم دولة الإسرائيليين، فلا المذهب الشيعي يعترف بهذه الدولة ولا المذهب السني، فالخلاف المذهبي لا يلغي الصراع العقائدي.
قبل الميلاد بثلاثمائة سنة تعاظم الحشد العسكري بين الدولة الفارسية المسيطرة على الشرق، وبين الدولة الأغريقية الصاعدة، والتي تسيطر على الغرب، وقبل اندلاع المعركة الحاسمة بين الطرفين، عرض القائد الفارسي "داريوس" صلحاً على الإسكندر المقدوني، بحيث يكون الشرق للدولة الفارسية، ويكون الغرب للدولة المقدونية، هذا العرض الذي استوجب النقاش في أعلى المستويات القيادية لدى الإغريق.
يقول لنا التاريخ: إن قادة الأغريق قد استحسنوا الفكرة، بعد مناقشتها من كل الزوايا، وقد وافق عليها "بارمينيو" النائب الأول للقائد الإسكندر المقدوني، الذي ظل يستمع إلى الآراء دون أن ينبس ببنت شفة، حتى سأله نائبة "بارمينيو"، فما رأيك أنت أيها قائد؟
كان رد الإسكندر حازماً حين قال: لو كنت بارمينيو لوافقت على مقترح داريوس، ولكنني الإسكندر المقدوني، الذي لن يوافق على تقاسم المصالح مع الفرس.
في القرن الواحد والعشرين لا أظن أمريكا ستوافق أن تكون بارمينو الإغريقي، ستظل أمريكا هي الإسكندر المقدوني، ولكن على طريقتها الخاصة.


د. فايز أبو شمالة