أمجاد العرب

بقلم: صلاح صبحية

في وسط البحر العربي المتلاطم الأمواج ، حيث أصبح الهم العربي الأول من يسجل عددا أكبر من الضربات تكون موجعة أكثر لشقيقة العربي ، إن كان الذي يجمع العرب إخوة وأشقاء ، وفي وسط ميدان الصراع بين داحس والغبراء التي ما زالت محتدمة منذ أن أدرك العرب وجودهم على أرضهم ، فراحت سيوفهم تـُشهر في وجوه بعضهم البعض ، ولم تهدأ حتى يومنا هذا ، وفي وسط معمعان الاقتتال العربي العربي الذي لا مثيل له اليوم ، حيث أصبح العرب مجرد أدوات تنفذ ما يمليه الأمريكان عليهم ، فتحلق طائراتهم تضرب شمال الوطن العربي وغربه وجنوبه وشرقه غير آبهين لنتائج ما يفعلونه ، وغير مدركين للعبة المخرج الأمريكي على المسرح العربي ، وغافلين عن تلك الزاوية في المسرح التي يقف فيها مساعد المخرج يراقب فيها أداء اللاعبين ، فيبدل لاعباً بآخر ، ويخرج لاعباً من المسرح لم يعد قادراً على مواصلة اللعب ، أو أنّ دوره أصبح مكشوفاً من قبل اللاعبين الآخرين ، ويبقى ثمة لاعب وهو ليس بلاعب وإنما هو من يتلقى الضربات بشكل غير مباشر ، وهو اللاعب الذي يجب التخلص منه بأي شكل من الأشكال وتحت أي عنوان من العناوين ، ووجوده في الملعب له ضرورة استراتيجية ، هذه الضرورة هي تحفيز اللاعبين على أداء أفضل من أجل التخلص من اللاعب الفلسطيني الذي لا يجيد اللعب إلا بما يُرضي به اللاعبين الآخرين .
لم يعد ما يجري على الأرض العربية خافياً على الصغير والكبير إلا بما يخدم المصالح الخاصة للاعبين والمتفرجين على السواء ، ولا يهم أن اختلف اللاعبون على ضربات الجزاء ، ما دام الحَكَم هو المخرج الأمريكي ، فليس مهما في أي تجاه تكون ضربة الجزاء طالما هي في النهاية تؤدي الهدف منها ، سواء كانت هذه الضربة في سورية أو في ليبيا أو في اليمن ، وما دام الذي ينفذ هذه الضربة هم الأشقاء والإخوة العقلاء ، العقلاء الذين تمادوا في عقلانيتهم حتى أصبح كل شيء مستباحاً عندهم ، فلا يهم سقوط أوراق التوت وانكشاف السوءات ، فالتعري في عصرنا هذا أصبح فلسفة تقتضيها مصلحة البقاء على كرسيّ الحُكم ، بل أن التعري أصبح وساماً يفاخر به العرب في مؤتمرات الدنيّة التي يعقدونها مع مطلع ربيع كل عام ، فلتسقط وتنتهي بلاد الشام إلى خراب، ولتنقلب بلاد الرافدين إلى يباب ، ولتصبح بلاد وادي النيل شيئا من عقاب ، ولينتهي اليمن السعيد العصي على الغزاة إلى عذاب، فلن تخرج عروس من البحر العربي توقف هذا النزيف الدموي وهذا القتل اليومي لأنها لن تجد قبيلة عربية تستحق المكافأة على فعلها اليومي ، والنيل أصبح عقيماً منذ أن هجرته العروس التي آثرت البقاء بين أحضان العبودية ، فلا شيء من قيم وأخلاق حاكتها المعلقات السبع باقية بين جنبات العرب ، فكل ما لديهم اليوم أمجاد وهمية صنعتها عبقريتهم الأدبيّة ، أمجاد تودي بالعرب إلى قاع الواد ، فلا يُنصرون ولا ينتصرون .
أمام هذا كله لا بدً من صحوة عربيّة على كل الصعد والمستويات ، صحوة تَخرجُ من عمق الإنسان العربي ، وليس صحوة تـٌفرض من داخل المطبخ السياسي الأمريكي ، صحوة تُعيد للإنسان العربي إنسانيته ، صحوة عقل وفكر وضمير وجسد ، صحوة تتحرر من كل برامج المشاريع المتصارعة على الأرض العربيّة ، صحوة تبني إنساناً عربياً تُخرجه من عبودية الحاكم ، ليصبح الإنسان الفرد هو السيد الحر في مجتمع حر يقوده أناس يؤمنون بحرية مجتمعهم كوحدة واحدة ، حيث تتوزع الأدوار في هذا المجتمع بين أفراده جميعاً ، الكل في هذا المجتمع العربي الجديد ينشد المستقبل دون أن يجعل من ماضية أغنية يرددها صباح كل يوم ، فليس بأمجاد الماضي يتم بناء المستقبل ، ونحن في عصر قد اختلفت فيه كل أدوات البناء .
ربما يقول البعض هل يكون لنا من نهوض أمام كل هذا الدمار الذي يرتسم في عيوننا صباح مساء ، ولم لا يكون لنا نهوضا في هذا الزمن الرديء ، ربما يكون النهوض على يد طفل صغير يشير إلى حقيقة الأشياء فيثير داخل الكبار ثورة وتمرداً على قيم وأفكار حطمت الجميع وجعلتهم يتهيون في فيافي الأرض ، فالشعوب التي أصبحت حطاما في القرن الماضي بسبب الحروب العالمية قد نهضت من بين الركام لتعيد بناء ذاتها في زمن قياسي ، وذلك لسبب واحد ، أنها كانت تؤمن بقدراتها الذاتية للنهوض من حتفها الذي كان ، معتمدة في ذلك على الإنسان الذي يدرك معنى أن يكون مواطنا في وطن حر كريم .

حمص في 2/4/2015 صلاح صبحية