جزء من استراتيجية فلسطينية وليس تكتيك

بقلم: هاني العقاد

في الاول من نيسان الحالي حصلت فلسطين على عضوية محكمة الجنائية الدولية في خطوة ناجحة من العمل الدبلوماسي الفلسطيني وسجلت بحصولها على هذه العضوية نقلة كبيرة جدا في اطار نقل ملف الصراع الى المجتمع الدولي و وضع كافة هيئاته ومؤسساته الباحثة عن الامن والاستقرار بالعالم امام مسؤوليات حقيقية تجاه تعديل خطأ تاريخي اصاب اول ما اصاب الانسان الفلسطيني بحرمانه من حقوقه السياسية المشروعة بالتساوي مع الحقوق التي منحها العالم للمحتل الغاشم ومازال الشعب الفلسطيني لا يمتلك الحق في تقرير المصير بالتساوي مع باقي شعوب العالم , لا يكفي تعديل هذا الخطاء بل السعي الى تحقيق عدل دولي في التعامل مع اطراف الصراع والزام المعتدي والمحتل والقاتل الذي يستخدم كل ما يمتلك من اسلحة ليبقي الاحتلال المهيمن الوحيد والمتحدث على طاولة الشرعية الدولية وليس الحق والسلام والمنطق السياسي الضامن للأمن والاستقرار .

بعد حصول الشعب الفلسطيني على عضوية محكمة الجنايات الدولية بتوقيع قيادته التاريخية على ميثاق روما وخاصة المادة 312 من الميثاق اصبحت الطريق سالكة امام رفع دعاوي قانونية ضد اسرائيل التي ارتكبت جرائم بحق الانسانية وجرائم حرب مؤكدة القصد والتخطيط تطالب فيها بالتحقيق في تلك الجرائم التي لا يمكن بأي حال من الاحوال أن تموت بالتقادم او ينساها الشعب الفلسطيني لان نسيانها يعتبر تفريط في الحقوق وابتعاد عن الثوابت ونسيانها يعتبر مكافأة المحتل وتعزيز ارتكاب مزيد من الجرائم طالما هو جاثم على الارض يستوطن ويسرق وينهب ويهود ويدمر ويهجر ويقتل ويعتقل ويمارس ابشع الجرائم بحق المدنيين العزل الذين يستخدمهم في الغالب ليبقي احتلاله الى الابد , وحتى تكون عضوية الجنائية جزء من استراتيجية نضالية فلسطينية وليس تكتيك ينبغي الاسراع برفع دعاوي بحق قادة الاحتلال الاسرائيلي ليس في جريمة الاستيطان والحرب الاخيرة على غزة بل في كافة الجرائم التي ارتكبت منذ أن وطأة اقدام جنود الاحتلال النجسة ارضنا الطاهرة وحتى الجرائم المعنوية التي تسبب الاحتلال في ايقاعها في نفوس الاجيال الفلسطينية وعدم الالتفات الى مسألة قبول محكمة الجنايات التحقيق في جرائم عدوان وخاصة على أثر اتفاق الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية على أن ما يمثل جريمة العدوان يمكن التحقيق فيه وعدم الالتفات البرتوكول الحالي في التحقيق في تلك الاعتداءات المرتكبة القاضي بسريانه بعد عام من مصادقة 30 دولة على الميثاق المعدل ولن تحدث المصادقة الا في العام القادم ويبدا التحقيق ليس قبل عام 2017 عندما تلتقي الدول مرة أخرى لمراجعة تعديل نظام روما الأساسي, ما بات هاما أن لا تلتفت اللجنة الرئاسية المكلفة بمتابعة محكمة الجنايات الدولية الى هذا الاجراء بل عليها تجهيز كل ما يتعلق بملفات الجرائم التي ارتكبت ومازالت ترتكب ليقف المحتل في قفص المسائلة الدولية عن انتهاكه المواثيق والشرائع الدولية التي قضت كافة قواعده وقوانينه الشرعية بحماية المدنيين في زمن الاحتلال وطالبت باحترام حقوق الانسان الواقع تحت الاحتلال .

نعم محاكمة قادة الاحتلال الاحياء وحتى الاموات من شأنه أن يكبح جماح ما يخطط له الاحتلال الصهيوني من الاجهاز على حقوق الفلسطينيين , مع أن قضية حساب اسرائيل على جرائمها قد تطول وتستمر سنوات لأنها قضية تحتاج الى تحقيق طويل وتحتاج الى دراسة وافية لكافة التوثيقات التي ارفقها الفلسطينيين في ملف دعاويهم لكن يجب رفعها ويجب عدم الاكتفاء بهذه الخطوة القانونية التي هي حق للشعب الفلسطيني بل لابد وان تكون هذه العضوية جزء من استراتيجية وطنية لها مراحلها لحصار الاحتلال وانهائه تسير هذه الاستراتيجية بالتوازي في اتجاهين الاتجاه الاول نحو مجلس الامن والامم المتحدة لاستصدار قرار دولي ملزم بإنهاء الاحتلال عبر جدول زمنى تقام خلاله الدولة الفلسطينية وتجلس اسرائيل على طاولة الشرعية الدولية لتعترف بالدولة الفلسطينية و تلتزم بعدم التدخل في شؤونها او الهيمنة على استقلاليتها ,و لعل هذا التوجه يعتبر خطوة هامة لنقل الملف الفلسطيني بالكامل الى المجتمع الدولي ليقول العالم كلمته في اخر احتلال بالعالم , لكن اذا اعتبرنا عضوية المحكمة تكتيكا يقصد به الضغط على اسرائيل لتستجيب لمتطلبات السلام الحقيقي واكتفينا بهذا فان هذا قد لا يعطي شعبنا الفلسطيني نتائج تؤدي لإنهاء الاحتلال لذا يجب عدم التوقف والانتظار حتى تسمح الظروف الدولية لبدء مرحلة اخري من الاستراتيجية وهي مرحلة انهاء الاحتلال بقرار دولي ملزم ولابد من موازاة هذا العمل الدبلوماسي بتفعيل المقاومة الشعبية على الارض بأشكالها المتعددة لان الوقوف عند مجلس الامن قد يتم احباطه او تأجيله من قبل حلفاء اسرائيل الاستراتيجيين ان لم يترافق بحركة تضامن شعبي دولي كبير مع طموح الشعب الفلسطيني وهذا يتطلب احداث حراك على الارض في صورة اشكال متعددة من المقاومة الشعبية التي تواجه الاحتلال في كافة مناطق التماس لتكشف الوجه البشع للاحتلال و تعري عنصريته امام الشعوب الاوربية باختلاف توجهاتها السياسية .
عضوية محكمة الجنايات الدولية استحقاق تاريخي كبير وتقدم سياسي هام جدا لكن دون الاسراع في رفع دعاوي ضد الاحتلال ومتابعة مجريات التحقيق من خلال لجنة دبلوماسية قانونية فنية فلسطينية عربية تعمل عن قرب في لاهاي تبقي عضوية الجنائية الدولية تكتيك قد لا يقود لمراحل اخري ضمن الاستراتيجية النضالية التي حددها المجلس المركزي في جلسته السابقة اذار الماضي, وحتى لا يبقي وضع فلسطين في محكمة الجنايات الدولية وضع الدولة التي تنتظر ان تأتي لها العدالة دون أن تسعي اليها فلا بد وان تسعي فلسطين من الان فصاعدا ملاحقة الاحتلال في اروقة محكمة الجنائية الدولية بالتزامن مع ملاحقة العدل الدولي في اروقة مجلس الامن والامم المتحدة .

د. هاني العقاد
[email protected]