بعد حصول فلسطين على صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة سارعت السلطة الوطنية الفلسطينية العمل على اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للتوقيع والمصادقة على بعض الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، والملاحظ أن المواثيق الدولية والإقليمية أكدت على احترام الحقوق والحريات العامة للأفراد ووجوب صيانتها ووضع الضمانات الكفيلة بردع من تسول له نفسه الاعتداء عليها، إلا أنها كانت منطقية وواقعية في تعاملها مع هذه الحقوق والحريات، وذلك بإتاحتها للقانون الداخلي للدول تنظيم بعض صور هذه الحقوق والحريات سواء أكان هذا القانون الداخلي مجسداً في نصوص دستورية أم نصوص قوانين عادية.
والقانون الأساسي الفلسطيني نص في المادة (10) منه على أن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام، وأنه على السلطة الوطنية الفلسطينية العمل دون إبطاء على الانضمام إلى الإعلانات والمواثيق الإقليمية والدولية التي تحمى حقوق الإنسان، ويتضح من نص المادة أن المشرع الدستوري الفلسطيني أكد على إلزامية ووجوب احترام الحقوق والحريات العامة من قبل السلطات العامة في الدولة والأفراد، وبالتالي ضمان الاعتراف الواجب بحقوق وحريات الأفراد واحترامها والوفاء بها، كما أكد المشرع على أهمية قيام السلطة الوطنية الفلسطينية باتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة للانضمام إلى المواثيق الدولية والإقليمية، والعمل الجاد على حماية الحقوق والحريات العامة، ويعد ذلك اعتراف ضمني من قبل المشرع الفلسطيني بالمبادئ العامة الواردة في تلك المواثيق والأخذ بها علي صعيد التشريع الوطني .
وباعتقادي أن اعتبار القانون الأساسي الفلسطيني حقوق الإنسان ملزمةً وواجبة الاحترام يشير إلى أن المصادر الدولية لحقوق الإنسان تكتسب صفة الالتزام الأخلاقي والقانوني في النظام الدستوري الفلسطيني، وانعكاساً لذلك فإن القانون الأساسي الفلسطيني لا يعتبر المصدر الوحيد للحقوق والحريات العامة في النظام الدستوري الفلسطيني، إذ أن المصادر الدولية العرفية لحقوق الإنسان تعكس نفسها وتفرض حضورها على واقع حقوق الإنسان وحرياته في فلسطين.
وبناء عليه فإن مواءمة التشريع الوطني المتعلق بالحقوق مع المواثيق الدولية تعتبر احدي الضمانات الدستورية الخاصة التي نص عليها المشرع الدستوري، وتتمثل هذه الضمانة بعدم مخالفة التشريعات الداخلية المتعلقة بالحقوق والحريات بصفة عامة وفي طليعتها الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأحكام والقواعد العامة التي نصت عليها المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرياته خاصة، بعد أن أصبحت هذه الحقوق والحريات شأناً دولياً يتجاوز سيادة الدول، حيث يعتبر الإنسان شخصاً دولياً يجب الاعتراف به من قبل الدول بحقوقه وحرياته المنصوص عليها دولياً، حتى وإن كان هذا الإنسان هو أحد مواطنيها، لذلك فإن الولاية والمسئولية الأولى تقع على عاتق السلطة الوطنية الفلسطينية في حماية وتعزيز حقوق الإنسان على الصعيد الداخلي وكفالة احترامها وتقدير ضمانات ممارستها والحد من تقييد السلطة التنفيذية لها وفق ما التزمت به بانضمامها طواعية إلى العهود والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، فالتزام السلطة بنصوص إعلانات الحقوق والعهود الدولية هو التزام دولي فوق الدستور وأعلى منه، كما ان السلطة يجب ان تهتم بحقوق الإنسان حتى لو لم تكن عضواً في منظمة دولية أو صادقت على معاهدة، فالديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان يجب ان تدور وجوداً أو عدماً مع الدولة.
بقلم/ رمزي النجار
[email protected]