منذ اللحظة الأولى لوجود الجماعات المسلحة في داخل مخيم اليرموك كان اليرموك ينادي بأنه ليس محل مساومة مع الدولة السورية ، وليس مكاناً للصراع على أهداف لن تتحقق بقدر ما تُحقق دمار اليرموك نفسه ، ووقع اليرموك ضحية الجميع بمن فيهم أبناء اليرموك أنفسهم ، ولم يعد اليرموك قادراً على أن يكون مكاناً للمصالحة وللتسوية ، فقد خرج الزمام من يد الجميع ، لأنّ كل جماعة وجهة تريد اليرموك أن يكون لها ، وكأن اليرموك يحسم الأزمة السورية لصالح من يبقى متمسكاً ببندقيته ، ولكن بعد أن يفنى اليرموك ، وبعد أن يُنفذ حكم الإعدام باليرموك .
واليوم وبعد أن دخلت داعش حرم اليرموك المستباح ، ورحبت بها شقيقتها جبهة النصرة التي سبقتها بدخول اليرموك ، انطلقت صرخة المهزوم ( أكناف بيت المقدس ) من داخله يطلب العون والمساعدة ، وبالأمس كان المهزوم يضع الشروط المتعاقبة بالتفاهم مع جبهة النصرة ، من أجل خلاص اليرموك دون أن يسعى إلى التنفيذ .
بدخول داعش مخيم اليرموك اختلفت المعادلة بالنسبة للنظام السوري ، حيث أصبح اليرموك بوجود داعش يشكل خطراً أكبر على العاصمة دمشق ، بينما كان اليرموك قبل ذلك يشكل حاجزاً في وجه داعش للوصول إلى قلب العاصمة دمشق ، إن اختلاف المعادلة في نظر النظام يعني تغيير أسلوب التعامل مع المعادلة ، فداعش أصبحت وجهاً لوجه أمام النظام وهذا يتطلب أسلوباً جديداً للتعامل مع اليرموك ، وأهمه التصعيد بالتعامل العسكري مع اليرموك بغض النظر عمن هو موجود في اليرموك ، لأنّ تأمين قلب العاصمة أهم من التفرج على داعش بكل أسلحتها وهي موجهة باتجاه الشمال الغربي .
وأمام ما يحدث في اليرموك ماجت السّاحة الفلسطينية بالأفكار والآراء والمقترحات والاتهامات ، فثمة من يقترح إرسال عشرة آلاف مقاتل فلسطيني من مخيمات لبنان لتحرير اليرموك بمساعدة الجيش السوري ، هو اقتراح يأتي من منطلق المحافظة على ما تبقى من اليرموك ، لكنه يعني التورط الفلسطيني الرسمي في أتون الأزمة السورية ، هذه الأزمة التي يجب على الفلسطيني الرسمي أن لا يكون طرفاً فيها ، فالتدخل العسكري الفلسطيني من خارج سورية لا يمكن أن يحقق نتائج ايجابية ، ويخشى بالتالي من اقتتال فلسطيني فلسطيني لاختلاف المواقف الفلسطينية من الأزمة السورية .
وثمة مقترح بالتوجه إلى الأمم المتحدة للمساعدة في تسهيل نقل الفلسطينيين المحاصرين في اليرموك إلى الضفة الغربيّة ، وهذا المقترح بحاجة إلى موافقة الكيان الصهيوني عليه ، وقد كان نتن ياهو قد قبل مثل هذا المقترح قبل نحو عامين شريطة أن يوقع كل فلسطيني قادم من سورية إلى الضفة الغربية على صك تنازل عن حق العودة إلى فلسطين المحتلة 1948 ، أضف إلى ذلك أن مثل هذا المقترح يُحدث شرخاً خطيراً داخل صفوف اللاجئين الفلسطينيين في سورية ، فليسوا وحدهم ساكنو مخيم اليرموك من اكتوى بنار الأزمة السورية ، فكل المخيمات الفلسطينية قد أصابتها شظايا نار الأزمة السورية ، مما جعل مئات الألوف يهجرون مخيماتهم إلى الدول المجاورة ويركبون قوارب الموت باتجاه الدول الأوربية ، دون أن نسمع طرح الحلول لإنقاذ ما يمكن انقاذه من خطر الموت في عرض البحر ، فهل نفرق بين فلسطينيي اليرموك وبين فلسطيني النيرب وحندرات وسبينه والعائدين بحمص وحماة ، فالمشكلة لا تكمن فقط بفلسطينيي اليرموك ، فكل المخيمات الفلسطينية في سورية قد عانت وإن اختلف شكل المعاناة من مخيم إلى آخر .
ولن يكون التدخل العسكري الدولي في اليرموك أفضل الحلول فيما إذا قبلت الولايات المتحدة ذلك وهي التي ترى بأنّ إنهاء اليرموك هو إنهاء لواحد من أهم عناوين قضية اللاجئين الفلسطينيين في الشتات .
أمام الواقع الأليم لمخيم اليرموك ، وأمام خطورة وضع اليرموك على مجمل الوضع في دمشق ، فأنه لن يكون هناك أي حل سوى القضاء على وجود داعش بكل أنواع الأسلحة ، وهذا بدوره سيؤدي إلى تدمير ما تبقى من اليرموك ، وإلى مزيد من القتلى والجرحى ، فالمعركة في اليرموك ليست كما كانت قبل أيام ، فقبل أيام كان وضع اليرموك مجمداً ، وأنه لا خطر على العاصمة من اليرموك ، ولكن اليوم تحول اليرموك إلى كتلة نار يطال لظاها أنحاء عديدة من العاصمة دمشق ، فهل سيكون مسموح لهذه النار أن تطال شوارع دمشق ليبقى ما تبقى من اليرموك سالماً ، وبالتالي لن تنفع كل محاولات إنقاذ اليرموك من أية جهة كانت ، فاليرموك قد أصبح بحكم المنتهي ، ولن تعود إليه الحياة حتى تعود لكل أرجاء سورية ، فاليرموك جزء من أرض سورية وأن كان يرفع العلم الفلسطيني ، واليرموك ليس أعز من أية منطقة سورية أخرى إذا كان سيشكل خطراً مباشراً على قلب العاصمة دمشق ، فوداعاً مخيم اليرموك .
حمص في 6/4/2015 صلاح صبحية