نميمة البلد: البنك المركزي الفلسطيني

بقلم: جهاد حرب

دعاني صديقي لاحتساء فنجان قهوة في احدى مقاهي العاصمة رام الله، طبعا المؤقتة، وهو نادرا ما يقوم بهذه الفعلة، لا اقول انه كثير البخل بل لا يفعلها إلا لخطب جلل لا يفصح عنه لأحد غيري. ترددت قليلا لدعوته، لكنه قال: فنجان قهوة ونميمة. حينها وافقت على الفور دون علم بما هي "النميمة".

ما ان جلست على المقعد حتى بادرني بسؤاله عن احوال البلد. كالعادة قلت هي بخير والحمدلله ،ولا يُحمد على مكروه سواه، فالمصالحة لا تسير، وهناك تأثيرات غير ايجابية لحرب اليمن على الفلسطينيين على الرغم من اتفاق حماس وفتح على تأييد التدخل العربي لحماية الشرعية، إلا أنهم اختلفوا بعد اتفاق التأييد الخطابي. والشرعية عندنا تتآكل بعد مضي حوالي عشر سنوات على انتخابات الرئاسة والمجلس التشريعي.

قال صديقي مخادعا هل تريد التهرب من الحديث أم أن هناك محظورات جديدة تضعها على كلامك، أو اصبحت غائبا عن البلد. قلت في نفسي، إما أنه يستفزني أو أن أمراً في البلد على ضخامته لا أعلم به، وردت على سؤاله الاستنكاري أن مقالي في الجمعة الفارطة كان يتحدث عن خليفة الرئيس أطال الله عمر الثاني وأذهب شبح الاول، ولا أخالك تنكر  انه حديث البلد وحديث العرب والعجم. 

دخل صديقي دون مواربة في نميمته مع الرشفة الاولى من فنجان القهوة، كأنها بادئة حديث؛ وزعت سلطة النقد الفلسطينية مسودة قانون  للبنك المركزي في ورشة عمل عقدت في أرقى فنادق العاصمة. ودون أن يكمل كلامه؛ قلت اطلعت على نسخة منها، وهذا عمل عظيم سنبدّل سلطة النقد ببنك مركزي وهي علامة من علامات الدولة يجب مباركتها. قال غاضبا؛ يا فصيح هل تعرف الفرق بين سلطة النقد والبنك المركزي. قلت البنك المركزي يصدر العملة والمسكوكات كما في جميع الدول.

قال صديقي بلهجة العالم والعارف كلاهما واحد، ألم تقل لي أن الفلسطينيين يحبون المجادلة وتقديم تعريفٍ خاصٍ بهم للأشياء، فيُجملونها أو يبخسون حقها على هواهم، حينما كنا نناقش ما الفرق بين القانون الاساسي والدستور، ألم تقل أنهما واحد لا فرق بينهما سوى بالكلمات الاولى عربية والثانية "الدستور" فارسية الاصل تعني باللغة العربية "الأساس" أو "القاعدة "، وكذلك الكلمة الانجليزية والفرنسية (Constitution). ألم يكن هذا كلامك على مدار أكثر من عشر سنوات، قالها بلهجة غاضبة، والأمر هنا متشابه لا يوجد فرق كلمة سلطة النقد أو البنك المركزي؛ الاولى عربية والثانية مستعربة أي معربة لكلمة Central Bank، ألا تعلم أن أكبر  بنك مركزي في العالم العربي واكبر اقتصاد هو موجود في السعودية.

قلت ما الضير في ذلك السعودية بلد شقيق وتقود اليوم العالم العربي، وهي أكبر داعم للشعب الفلسطيني سياسيا وماليا. قال صديقي اسم البنك المركزي في السعودية سلطة النقد السعودية وليس البنك المركزي . فالأصل في الاشياء ليست المسميّات بل في مضمونها كما هو الحال مع القانون الاساسي الفلسطيني فإذا كان ينظم السلط الثلاث والعلاقات بينها ويكرس مبادئ الحقوق والحريات حينها لا يهم أن نسميه دستور أو قانون أساسي أو نظام أساسي. وكذلك الامر للقانون المنظم لإصدار العملة والإشراف والرقابة على المصارف.

قلت في نفسي ألهذا جاء بي صاحبي على عجلٍ، وكنت اتصور أن أحصل على معلومة "نميمة" دسمة من صديق عارف ببواطن الامور، وبدت على وجهي تقاسيم الاستغراب وعدم الاهتمام بالموضوع. استدرك صديقي هذا وقال: أما النميمة فهي توقيت طرح مشروع القانون مع قرب انتهاء الولاية الثانية لمحافظ سلطة النقد في العام القادم، وبهذا تكون هناك مؤسسة جديدة بقانون جديد تضمن له ولايتين ليتربع على رئاسة البنك مدة اثنتي عشرة سنة، وبهما يُكمل عشرين عاما محافظا لسلطة النقد والبنك المركزي.

قلت في نفسي، وانا احتسي الرشفة الاخيرة من فنجان قهوتي الافرنجية؛ إن صديقي بات يؤمن بنظرية المؤامرة، وبكلماته الأخيرة لم يعد مجالا للحديث. لكنني قلت لصديقي أنني لا اعتقد أن محافظ سلطة النقد يفكر بذلك أو هكذا. تركت المكان وانا افكر  بنميمة صديقي فهل يعقل أن وضع البلد وصل لهذا الحد أي شخصنة القوانين، وأن نظرية المؤامرة باتت هي الحاكمة في عقولنا. في اللحظة هذه استيقظت من نومي ابحث عن فنجان قهوة الصباح العربية، لأبدأ  كتابة مقالي وحمدت ربي على انه حلمٌ وليس علمٌ. وبغض النظر عن اضغاث الاحلام، فإن مسودة مشروع قانون البنك المركزي تتحاج إلى قراءةٍ من مختصين إذا كان البلد بحاجة إليها أصلا!، كما ستؤكد الأيام المُقبلة صحة كلامي أو  دقة نميمة صديقي.
جهاد حرب