واضح ان امريكا في ذروة مفاوضتها مع ايران بشأن برنامجها النووي،كانت ترى بان المشاغبات على توقيع الإتفاق مع ايران بشأن ذلك،مصدرها بالأساس السعودية واسرائيل،ولذلك سعت من خلال القضية اليمنية الى توريط السعودية في حربها على اليمن،لكي تكون مقبرتها وتفككها وعدم استقرارها من بوابة تلك الحرب، ومن اسرائيل المنكفأة خلف جدران ما يسمى بيهودية الدولة.
والسعودية في حربها وبطولاتها على"فقراء اليمن"،تكون كما يقول المأثور الشعبي"جاجة حفرت على راسها عفرت"،فسواء توقفت الحرب الان على اليمن،او طال امد تلك الحرب وفق السيناريوهات المتوقعة لها،والمتوقفة على سلوك القيادة السعودية...فاليمن ما قبل ما يسمى ب"عاصفة الحزم" السعودية،ليس هو ما بعده،فالنظام الذي سينشأ في اليمن سيكون أكثر تشدداً وعداءاً ضد النظام السعودي..حيث قتل المئات من الأبرياء اليمنيين،بطائرات سعودية لم تعرف طريقها يوماً الى فلسطين او نصرة لحق عربي.
السعودية حاولت ان توظف حلف عربي- إسلامي لحربها العدوانية على اليمن...تحت غطاء وستار قضيتين أساسيتين،الأولى دعم ما يسمى بالشرعية المثلومة لرئيس منتهية ولايته وشرعيته وهارب وفاسد،في وقت وظفت فيه اموالها واحتياط بشري ارهابي كبير إستقدمته من اجل الإعتداء على سوريا وتغيير نظامها وتفكيك جغرافيتها!!!.والقضية الثانية تشكيل قوة عربية مشتركة،من اجل تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك، تلك المعاهدة التي انتظر الشعب الفلسطيني تفعيلها منذ سبعة وستين عاماً،ولكنها لم ترى يوماً طريقها للتفعيل،حتى في ظل الحرب العدوانية الإسرائيلية على شعبنا في قطاع غزة في تموز 2014،حيث القتل بالجملة لأطفال ونساء وشيوخ فلسطين.
السعودية في حربها على اليمن كانت تراهن على ان تلك الحرب قد تساعد على خلط الأوراق،وتعطيل توقيع الإتفاق بين واشنطن وطهران حول برنامج طهران النووي،وكذلك تفكك وتحلل جماعة "أنصار الله"،الحوثيون،وبالتالي الإيتاء بنظام كرتوني جديد في اليمن يدار من قبل السعودية،وينفذ سياساتها ويخدم مصالحها...ولكن واضح بان الحسابات السعودية لم تكن دقيقة،بل كانت تعبيراً عن نزق وإحتقان وردة فعل متسرعة،للتعويض عن الفشل السعودي في الملفات العراقية والسورية واللبنانية والبحرانية،وبما ينذر بإنكفاء السعودية وتراجع دورها ونفوذها عربياً وإقليمياً .
والمصوغات والحجج الأخرى التي طرحتها وساقتها السعودية لتبرير حربها العدوانية على اليمن،مثل منع سيطرة الشيعة على اليمن وباب المندب،ووقف التمدد الإيراني" الفارسي"،الصفوي" "المجوسي" الى منطقة الخليج العربي،لم تحقق نتائج ايجابية ولم تكن مقنعة،حتى للدول التي تترزق من موائد الرحمن السعودية،او تدفع كرامة ومواقف شعوبها ثمناً للمال السعودي،حيث نرى بان باكستان وتركيا واللتان كانت تراهن عليهما السعودية في المشاركة الفاعلة الى جانبها في تلك الحرب،تقفان الى جانب ايران بضرورة ايجاد مخرج وحل سياسي للأزمة اليمينة،ويبدو ان ذلك الخيار،حتى في إطار الدول المتفقة مع السعودية والمشاركة معها في الحرب،من دول التعاون الخليجي.
السعودية في ذروة حربها التي ورطتها فيها أمريكا على اليمن،كانت تعتقد بان امريكا ستقف الى جانبها بكل حزم،وهي لم تغدر بها،كما حصل في قضية الملف النووي الإيراني،ولكن كانت الطامة الكبرى تصريحات الرئيس الأمريكي اوباما للصحفي الأمريكي الشهير توماس فريدمان "نيويورك تايمز" قبل أسبوع حينما قال موجها كلامه لمشيخات النفط والكاز،وفي المقدمة منها السعودية،بعد توقيع إتفاق الإطار مع ايران :- «إنّ أميركا ملتزمة بحماية حلفائها من أي اعتداء خارجي،ولكن عليهم إصلاح سياساتهم وأوضاعهم الداخلية أولاً». وهذا يعني أنّ محاولات «إسرائيل» والسعودية لنسف الإنجاز النووي الذي تمّ مع إيران هي أوهام وأضغاث أحلام،فمشكلة السعودية هي مع نفسها وليست مع إيران، وأمنها الذي تدعي أنه مهدّد من قبل إيران النووية هو محض كذب، فما يهدّد أمنها هو سياساتها.
ولعل السيناريوهات المتوقعة للحرب السعودية على اليمن بين مروحة خيارين،اولهما ان تمارس امريكا ضغوطاً على السعودية لوقف هذه الحرب العبثية،او ان يجري التوافق مع روسيا بإستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لوقف تلك الحرب،أو الطلب من الدول المشاركة في تلك الحرب والدائرة في الفلك الأمريكي مثل باكستان وتركيا والأردن،بالتراجع عن مساهمتها في هذه الحرب،ونحن نلمس تحول في الموقفين التركي والباكستاني لصالح الحل والمخرج السياسي للأزمة اليمنية.
والخيار الثاني،هو استمرار السعودية في هذه الحرب،وما يترتب عليها من خسائربشرية ومالية كبيرة وحالة عدم استقرار في الوضع السعودي،وخاصة ونحن نعلم جيداً بان الغزوات والحروب التي شنت على اليمن من زمن العثمانيين وما بعدها،لم تفلح في إخضاع اليمنيين.
أي كان الخيار السعودي فالتداعيات والإنعكاسات السلبية على السعودية كبيرة ،حيث ان النظام الذي سينشا في اليمن سيكون اكثر عداءاً وتطرفاً للسعودية،فهي المسؤولة عن قتل وتدمير أطفال ونساء اليمن،ولا يمكن لأي نظام يمني قادم مسامحة السعودية على ذلك.
الوضع الداخلي السعودي سيصبح اكثر اهتزازاً وعدم استقراراً،وقد تنشأ اخطار جدية على العائلة المالكة لجهة نفوذها ودورها وسيطرتها على الوضع الداخلي،ناهيك عن ان الكلفة الباهظة لحرب طويلة مالياً وبشريا،قد تخلق حالة تململ وثروات شعبية ضد مملكة الرمال.
هذه الحرب ستفضي الى تراجع وإنكفاء سعودي لجهة الدور والنفوذ عربياً وإقليمياً،وشيضاف الفشل السعودي الى فشلها في الملفات الأخرى العراقية والسورية واللبنانية والبحرانية.
اعتقد ان الحالة السعودية ستكون مختلفة عما كانت عليه قبل هذه المغامرة المدمرة،فسابقاً السعودية كانت تكلفة تدخلاتها في البلدان الأخرى عربية وإسلامية تحديداً،معقولة من مال وغيرها،وحيث كانت تبعث بالفائض البشري المتشدد من انصار التكفيرية والقاعدة والان داعش والنصرة الى معارك "الجهاد" في أفغانستان وسوريا والعراق ولبنان وليبيا ومصر للتخلص منهم،أما الان فالتكلفة ستكون باهظة مالياً وبشرياً،وكذلك دوراً ونفوذا عربياً وإقليمياً.
بقلم:- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
10/4/2015
0524533879
[email protected]