إلى روح الكاتب والإنسان جورج غريب

بقلم: شاكر فريد حسن

ودع الدنيا قبل أيام الكاتب والمناضل ، ابن الناصرة ، جورج غريب ، تاركاً وراءه تاريخاً وطنياً ونضالياً ، وإرثاً أدبياً ، ومواقف سياسية وثقافية يعتز فيها .

رحل جورج إلى مرافئ الذاكرة بصمت وهدوء كما عاش حياته ، بعيداً عن الشهرة القاتلة والأضواء الشخصية والكاميرات ، ولم يتقن فن التسويق الإعلامي والعلاقات العامة . رحل وعيونه مفتوحة تنظر على ربوع وسفوح الجليل الأشم وشوارع الناصرة وأسواقها وأزقتها وحاراتها وكنائسها ومساجدها وحدائقها .

عرفنا جورج غريب مناضلاً بارزاً مخلصاً للقضايا الوطنية والطبقية والإنسانية ،عمل وضحى بكل ما أوتي من قوة وإرادة وطاقة على العطاء ، دفاعاً عن حقوق شعبه وهويته ووجوده وبقائه في وطنه . ويعد واحداً من الشخصيات النصراوية الوطنية التي أخلصت لقضية الوطن والإنسان ، والتزمت الخط السياسي الوطني الثوري التقدمي الملتزم ، عن وعي وقناعة ومبدئية والتزام . وقد أمضى زهرة شبابه في صفوف الشبيبة الشيوعية ، وكان عازفاُ على آلة نحاسية في جوقة "الطليعة " التابعة لها ، وشارك في تأسيس وإقامة تنظيم نقابي عمالي للدفاع عن مصالح وحقوق عمال وشغيلة مدينته الناصرة ، وتعرض للمضايقات البوليسية والملاحقة السياسية وفرضت عليه الإقامة الجبرية .

كتب جورج وأنتج وناضل بطريقته ، ووقف إلى جانب المسحوقين والمقهورين والمهمشين ، وانغمس في همومهم وقضاياهم ، وكان القلم المعبر في جل كتاباته عن عذابات شعبه وقضايا الناس البسطاء وتطلعاتهم في الحياة الرغيدة والعيش الحر الكريم والعدالة والمساواة .

جورج غريب من أوائل الذين كتبوا القصة القصيرة في بلادنا ، بدأ الكتابة في بدايات الستينات ونشر قصصه في أدبيات الحزب الشيوعي "الغد" و"الجديد" و"الاتحاد" ، وتوقف عنها في أواخر الثمانينات مع اندلاع الانتفاضة الشعبية الفلسطينية في المناطق المحتلة . وله مجموعة قصصية بعنوان " حكايات من بلدي" ، وتشتمل على قصص ذات حس إنساني ومضمون اجتماعي وبعد واقعي ، ومفعمة بالروح والمضامين القومية والوطنية والتمسك بالهوية والتراث والوطن والأرض ، وتصور واقعنا الاجتماعي – السياسي بأبعاده المختلفة . كما تتناول موضوعات وقضايا من صميم حياة مجتمعنا العربي الفلسطيني ، وتدور حول الإنسان المسحوق الكادح صانع الأمل والحياة والمستقبل .

جورج غريب إنسان هادئ ، ومناضل مخلص صادق ، وقلم وطني ملتزم ، أسهم في الحياة السياسية والثقافية الفلسطينية ، وحفلت حياته الشبابية بالعطاء والنضال ، وعاش بعزة نفس وشموخ صبر على المحن ، مدافعاً عن منظومة القيم والمبادئ الإنسانية النبيلة ، التي يحق للإنسان أن يعتز ويفتخر فيها ، راسماً خارطة الصدق والتسامح والمحبة والجمال والحلم الثوري الوردي .

فسلاماً على روحك جورج غريب وطوبى لك ، وستبقى في الذاكرة الفلسطينية مثالاً للعطاء والالتزام الوطني والأدب الواقعي وللإنسان الوفي للمبادئ والقيم العليا .

بقلم/ شاكر فريد حسن