منذ أمد أهمل القلم رفيقة دربه، لم يعد أحدهما مكملاً للآخر كما كانت عليه العلاقة في السابق، مارس القلم رجولته عليها على إعتبار أنه صاحب اليد العليا، فيما رفيقة دربه " الورقة" تعاملت مع المستجدات طبقاً لما تمليها عليها أنوثتها، قبلت على مضض قرار صاحب العصمة وإنكقأت على ذاتها عل الأمور تتبدل وتعود عجلة التاريخ إلى الوراء ويقضي الله شيئاً كان مكتوباً.
بعد سنوات أطاح فيها الحاسوب بالورقة والقلم جانباً، عدت إليهما، لم تكن العودة بدافع الحنين إلى الماضي والجمال الذي يسكن أركانه، بل انصياعاً تحت وطأة أحكام جدول الكهرباء، إنقطاع الكهرباء أدخل جهاز الحاسوب في سبات عميق، كأنه إنتزع روحه وتركه جسداً عاجزاً عن النطق والإستجابة.
سنوات الغربة التي أبقت القلم بعيداً عن الورقة أحدثت الكثير من المتغيرات في العلاقة، لم يعد التفاعل بينهما يسير بذات الوتيرة التي إعتادا عليها في السابق، ما أصعب المهمة الملقاة على عاتق القلم وهو يحاول أن يسترجع مهمته من جديد، تعثر كما يفعل الطفل وهو يضع خطواته الأولى على أديم الأرض.
لا شك أن الكهرباء هي الحاضر الأقوى في تفاصيل الحياة في غزة، ليس بفعل ما وهبته التكنولوجيا لها من أهمية، بل بما تفرضه على قاطنيها من غطرسة وجبروت، تفرض عليهم برنامجها "القابل للإنكماش والرافض للتمدد" دون أن تمنحهم فرصة للنقاش، لم يهتز لها جفن وهي تمارس ساديتها على الصغير قبل الكبر، أمام هذه الدكتاتورية من المفيد أن تغادر بسرعة مربع رد الفعل وما يجلبه من إرتفاع في ضغط الدم وإستثارة للجهاز العصبي، وأن تبحث بين مكونات الماضي عن شيء تتكيء عليه ظلمة الليل.
لا شك أننا إعتدنا على طول إنتظارها، ونحاول دوماً أن نخلق مبررات تأخير عودتها إلينا، ونكاد نرقص فرحاً على وقع خطوات سيدة الحسن وهي تطأ بطلتها البهية الحياة فينا، لكن ما يدفعنا للخروج عن طورنا هو أن تنصرف عنا دون مقدمات ودون استئذان، ليس ثمة إنصراف دون استئذان يمكن له أن يحاكي في وقعه على النفس أكثر من ذلك الذي تفعله الكهرباء، يكفي أن تباغت الكهرباء بإنصرافها مريضاً يهم إلى تناول جرعات دوائه، أو أن تفعل ذلك مع طفل يهم بإرتداء الزي المدرسي قبل أن تطل الشمس علينا، أو أن تفرض قوتها القهرية على سيدة البيت وهي تنتظر الرغيف في الحلة الكهربائية أن يتبسم لها.
بعد أن عادت الكهرباء بعد غياب طويل "وفي العودة أحمد"، سارعت إلى الحاسوب الذي دبت فيه الحياة من جديد، أنقل إليه ما سبق للقلم أن خطه على رفيقة دربه، كنت أخشى أن تنصرف سيدة الحسن قبل أن أتم ما بدأت، ما أن وصلت إلى الخطوة الأخيرة حتى بدأت بالثناء على كرمها وسعة صدرها، فهي تبقى سيدة الحسن وإن تغطرست علينا.
بقلم/ د. أسامه الفرا