في السابع والعشرين من شباط الماضي رحل عن عالمنا الأديب المصري الكبير سليمان فياض ، بعد مسيرة أدبية طويلة مع القص السردي ، وحياة خصبة ثرية وزاخرة بالعطاء والإبداع الأدبي المتنوع ، وبعد أن أكمل مشروعه الثقافي الحضاري التنويري .
سليمان فياض قاص وروائي ومؤرخ وباحث ولغوي ومفكر ومثقف نقدي عضوي صاحب رسالة تنويرية ، ومن كبار المبدعين المصريين والعرب ورموز التجمعات الأدبية والثقافية . وبالرغم من انه ينتمي إلى جيل الستينات إلا أنه لم ينل حقه ، ولم يحظ بهالة وقداسة كبيرة مثلما تمتع فيها غيره من أبناء جيله وعصره ومريديه في مصر ، لكنه يظل صاحب حيثية رفيعة ومكانة مرموقة ومقام خاص في نفوس وأذهان الذين تابعوا مسيرته واطلعوا على أعماله وإبداعاته وآثاره الأدبية المختلفة .
يقول عنه معارفه أنه كان إنساناً متواضعاً إلى أبعد الحدود ، وتمتع بدماثة الخلق ، وكان صاحب عين ثاقبة ، وحكاءً ماهراً ، ومتحدثاً بارعاً ، وصامتاً خجولاً في الأماكن والمحافل العامة .
سليمان فياض من محافظة الدقهلية شمال شرقي القاهرة ، ولد سنة 1929 ، نال شهادة العالمية من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر في الخمسينات من القرن الفائت ، وبعد تخرجه اشتغل معلماً للغة العربية وآدابها في المدارس المصرية .
بدأ فياض الكتابة في مجلة "الآداب" اللبنانية ، وعمل مع رجاء النقاش وسعد وهبة في مجلة "البوليس" ، ومارس خلال مشواره الثقافي الكتابة للإذاعات والتلفزيونات ، وعمل محرراً في العديد من الصحف والمجلات ، ومراسلاً لمجلة "الآداب" البيروتية لصاحبها سهيل إدريس .
وصدر لسلمان فياض الكثير من المجموعات القصصية ، منها : "عطشان يا صبايا ، أحزان حزيران، وفاة عامل مطبعة ، وبعدنا الطوفان ،زمن الصمت والغياب ، ذات العيون العسلية ، وسواها . أما في باب الرواية فله : "القرين ، لا احد ، أيام مجازر، أصوات " وغير ذلك .
كذلك كتب فياض عن سير أعلام العرب أمثال : ابن رشد والهيثم وابن بطوطة والبيروني وجابر بن حيان وابن النفيس وابن سينا والفارابي والخوارزمي والإدريسي وابن خلدون والجاحظ وسواهم . وأرخ للحياة الثقافية المصرية ، وتناول قضايا الثقافة الإسلامية وهموم المجتمع والواقع العربي .
ما يميز سليمان فياض قدرته اللغوية ، وأسلوبه القصصي الناصع في عالم السرد ، ولغته البارعة الجميلة المميزة المدهشة والممتعة . وقصصه تجمع بين الرومانسية والواقعية ، وأبطاله من الأهل والجيران والمشايخ . وقد شكلت مجموعته القصصية "عطشان يا صبايا " الصادرة العام 1960 علامة فارقة من علامات تطور الأدب القصصي المصري .
سليمان فياض باحث توسعي ، ومبدع هائم في محبرة الكتابة ، تماهى مع إبداعه ، وراهن على الكلمة ، وأخلص للنص السردي ، وانتمى لمملكة الإنسان الباحث عن الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ، ودعا لثقافة التجديد والحداثة والمعاصرة ، ثقافة العقل . ويظل رمزاً ثقافياُ بامتياز ، رغم الرحيل والغياب .