إسرائيل من القنبلة النووية إلى الهيدروجينية

بقلم: غازي السعدي

إذا كانت الاتفاقية النووية، بين الدول الكبرى الستة+ ألمانيا مع إيران سيئة، وإسرائيل تعترض عليها ويعتبرها "بنيامين نتنياهو" تهديداً لإسرائيل وخطراً على وجودها، وأنها خطأ تاريخي فإذا كانت سيئة لماذا يطالب باعتراف إيران بإسرائيل للموافقة عليها؟ أليست سيئة فلماذا إذن هذه المناورة؟ أم أنها حلقة في سلسلة خدع "نتنياهو"؟

المحلل العسكري لجريدة يديعوت أحرونوت "اليكس فيشمان" كتب في مقال له بأن الدول العظمى باعتنا، وأنها هزيمة مدوية للغرب، لأن إيران لن تتخلى عن مشروعها النووي، فيما قالت مصادر سياسية إسرائيلية بأن العالم سيكون أكثر خطورة، والرئيس الأميركي "باراك أوباما" –كعادته- يعلن التزامه بأمن إسرائيل، أما "نتنياهو" فيستمر بطرح المطالب التي لا تعد ولا تحصى، وهذه المرة يطالب أن تشمل الصفقة اعتراف إيران بحق إسرائيل بالوجود، لأن الاتفاق سيعزز الاقتصاد الإيراني، ويعزز العدوانية والإرهاب الإيراني، في الشرق الأوسط وخارجه حسب "نتنياهو"، وتمنح الشرعية للبرنامج النووي الإيراني، و"نتنياهو" مستمر بمهاجمته للاتفاق، ويجري في يوم واحد، ثلاث مقابلات مع وسائل الإعلام الأميركية، في حملة مسعورة على الرأي العام الأميركي، وعلى مجلسي الكونغرس والشيوخ، لتشريع قانون في الكونغرس، لوضع العراقيل أمام الاتفاق، ومنع إقراره، في الوقت الذي يقول فيه "أوباما"، بأن:"الاتفاق مع إيران، لن يمس بالتفوق العسكري الإسرائيلي، وحمايتنا لإسرائيل مسألة لا تقبل الجدل".

بعد سنوات من الجدل، والاجتماعات والصراعات والتهديدات وفرض العقوبات على إيران، والتي تقودها الولايات المتحدة نيابة عن إسرائيل، وبعد أكثر من عام من التفاوض، توصلت الأطراف في هذه المفاوضات، إلى إصدار بيان خجول شفهي غير مكتوب على الورق ودون توقيع الأطراف عليه، وتعطي لأي طرف من هذه الأطراف، تفسيره حسب مزاجه وفكره، مما يدل أن إدارة الرئيس "أوباما"، تريد إغلاق هذا الملف والتخلص منه، ولو على مراحل، لأن البديل عن الاتفاق، ما بين الحرب، أو تغليظ العقوبات على إيران، هذه العقوبات التي فشلت في إخضاع إيران واستسلامها، أو ترك الوضع متاحاً لجميع الاحتمالات.

إذا كان "نتنياهو" يعتبر أن الاتفاق غير الموقع، والمنتظر التوقيع عليه بعد إدخال بعض التعديلات في شهر حزيران القادم، هو الطريق الأقصر والأنجح لتحقيق أمن إسرائيل، وأمن الشرق الأوسط بكامله، فإن الفرصة ما زالت قائمة، بتجريد منطقة الشرق الأوسط بالكامل، بما فيها إيران وإسرائيل، من أسلحة النووي وأسلحة الدمار الشامل، التي تمتلكها إسرائيل، ألا وهو الانتقال للطلب المصري والعربي، الذي أثير أكثر من مرة، في مؤتمرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فينا، في الوقت الذي تبنت الولايات المتحدة التعنت الإسرائيلي، الرافض ليس فقط التخلي عن مشاريعها النووية، بل أنها ترفض الانضمام إلى عضوية الوكالة الدولية للطاقة، وترفض التفتيش ومراقبة مفاعليها، في المقابل أصرت أميركا على معاقبة إيران، ومساندة الموقف الإسرائيلي، واختارت الطريق الأصعب المليء بالمفاجآت والتوترات وأحد لا يراهن أن الاتفاق سيصل بالمنطقة إلى شاطئ السلام، ففي مؤتمر الطاقة الأخير في فينا، أحبطت الولايات المتحدة بفارق بسيط، الاقتراح بتجريد الشرق الأوسط من السلاح النووي، من خلال الضغوط التي مارستها على الدول، ما بين الرفض أو الامتناع عن التصويت، وكانت نتيجة التصويت بفارق بسيط، وهذا كان من شأنه تحقيق الأمن للجميع، بما فيهم إسرائيل، التي تضغط للتصدي للمشروع النووي الإيراني، بينما هي-أي إسرائيل- التي تؤكد جميع المصادر الدولية، امتلاكها للسلاح النووي فإنها تريد احتكاره وحدها في هذه المنطقة دون غيرها.

إن ما تسعى إليه إسرائيل يشكل خطورة أكثر، حسب ما نقلته جريدة "إسرائيل اليوم 30-3-2015"، مستندة إلى مصادر صحفية أميركية، وما تسرب عن الإدارة الأميركية، حيث تم الكشف عن تطوير إسرائيل قنبلة "هيدروجينية"، ونشر ذلك في الصفحات الأولى وبالعناوين الرئيسية للصحف الأميركية، بعد أن تقدمت الصحف إلى المحكمة الفيدرالية، للسماح لها بنشر تقرير سري، لوزارة الدفاع الأميركية، والذي ناقش القدرات النووية الإسرائيلية، وأن نقاشاً يدور في إسرائيل، لإلغاء سياسة الغموض النووي الإسرائيلي، كأحد وسائل الردع من التعرض لها، وفي تصريح لأمين عام حزب الله "حسن نصر الله"، فإن الاتفاقية بين الدول الكبرى وإيران، ستحول دون قيام إسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، فهو تفسير سخيف وضعيف، لكن العالم صامت عن قنبلة إسرائيل النووية، والهيدروجينية العتيدة.

في أعقاب اتفاق الدول الكبرى مع إيران، عقد "نتنياهو" اجتماعاً طارئاً للمجلس الوزاري الأمني المصغر، حيث خلص الاجتماع بأن الاتفاق سيء ومرفوض من قبل إسرائيل، ويجب على إيران الاعتراف بإسرائيل، قبل التوقيع النهائي على الاتفاقية، ويجب مقاومة الاتفاق بشدة، وفي الوقت الذي يعتبر فيه "نتنياهو" بأنه تهديد وجودي لإسرائيل، فهناك اختلاف في تفسير الاتفاق، بين الدول الكبرى، وبين إيران والرئيس "أوباما" مصر على أن الاتفاق جيد، لأنه يمنع إيران من تطوير سلاح نووي، وهناك بين المحللين الإسرائيليين من يعتقد بأن الاتفاق ليس سيئاً، فرئيس الاستخبارات الأسبق الجنرال "عاموس يادلين"، قال أنه لا يستطيع وصف الاتفاق بالسيئ، وأن هناك فرصة لإبقاء الإيرانيين في نفس المكان لسنوات طويلة، وعلينا رؤية جانب الكأس المليء ودراسة الاتفاق في ضوء البدائل المتوفرة، وفي ضوء التطورات على الأرض، ويرى "يادلين" أن أي حكومة إسرائيلية مسؤولة يجب أن تسعى إلى تفاهمات مع الإدارة الأميركية.

وكتب محلل آخر في "يديعوت احرونوت"، أنه لا يمكن الوصول إلى نتيجة أفضل من هذه، حتى ولو شنت إسرائيل والولايات المتحدة والدول الأخرى، هجوماً عسكرياً على المفاعلات النووية الإيرانية، فإن النتائج لن تكون أفضل، مع أن الاتفاق شفهي وما زال مسودة، وحسب جريدة "قضية مركزية 7-4-2015"، فإن "نتنياهو" يعترف أنه لا يوجد لإسرائيل خيار عسكري لمهاجمة إيران، مع وجود عشرة لاءات إسرائيلية بشأن هذا الاتفاق، ومن أهم هذه اللاءات: عدم إزالة العقوبات عن إيران بشكل فوري، وقبول إيران بتفتيش جميع منشآتها النووية، وماذا سيكون مصير مخزون إيران من اليورانيوم المخصب، وعدم السماح لإيران بمواصلة العمل بأجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً، واعتراف إسرائيل لعدم التطرق في اتفاق الإطار لصواريخ إيران العابرة للقارات، إلى غير ذلك من التحفظات الإسرائيلية.

وخلاصة القول، فإن ما يسمى بالاتفاق، هو اتفاق هش، لا يحمل تواقيع الأطراف الموافقة عليه، حتى أن البيان الذي ألقاه وزير الخارجية الإيراني، ووزير خارجية الاتحاد الأوروبي، كانا متباينين، فالرئيس "أوباما" يرفض طلب إسرائيل اعتراف إيران بحق إسرائيل بالوجود كشرط إسرائيلي، لكن يبدو أن "أوباما" محتد من المعركة الإعلامية التي يقودها "نتنياهو" وبعض أعضاء الكونغرس الأميركي ضد الاتفاق، وبينما يصف "نتنياهو" بالمهاجم فإن "أوباما" يأخذ موقف المدافع، للضغط الذي يتعرض له كي يحصل على اتفاق نووي أفضل، لكبح البرنامج النووي الإيراني، وأن الضغط على "أوباما" من قبل المشرعين بالكونغرس والشيوخ متواصل، لطرح الاتفاق أمامهم للحصول على موافقتهم، ومنع "أوباما" من اللجوء إلى صلاحياته بحق النقض على قرار الكونغرس، فإذا كانت إيران-كما يقولون- المستفيدة الأولى من هذه التفاهمات، وأن ما يهمها رفع الحصار الاقتصادي عنها، والذي سيعزز اقتصادها، ويدعم نفوذها في المنطقة، فإنه كان من الأفضل على الولايات المتحدة، والدول الكبرى، بذل ما بذلوه من جهد ووقت-كما أشرنا- بالعمل من أجل شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل، وهو الحل الأمثل، وإذا كانت إسرائيل لا تقبل بذلك، ومتمسكة بقنبلتها النووية لتهديد الدول العربية، وتكريس احتلالها، فإن ردها على اتفاق الدول الكبرى مع إيران، جاء عبر تطويرها للقنبلة الهيدروجينية، التي تزيد خطراً وتدميراً على القنبلة النووية.

بقلم/ غازي السعدي