هل ضاعت المقاومة؟! لا تضّيعوا المقاومة!!!

بقلم: أيوب عثمان

انتهت صلاحية رخصة قيادتي الخاصة في اليوم الرابع من الشهر الرابع من العام الحالي، وحيث إن هذا التاريخ قد صادف يوم السبت الذي هو إجازة، فقد ذهبت إلى دائرة المرور عند العاشرة من صباح اليوم التالي، الأحد 5/4/2015، لأجد طابوراً طويلاً يكتظ على شباك واحد هو الأيسر في الواجهة، فيما الشبابيك الأخرى على يمينه كلها مغلقة وعلى كل منها يافطة مكتوب عليها "مغلق". غادرت دائرة المرور لأنجز أمراً آخر ثم أعود إلى دائرة المرور على أمل أن أجد الطابور قد انحسر طوله، غير أنني وجدت العكس تماماً، الأمر الذي حرضني على المغادرة مرة أخرى، وهو ما تكرر أكثر من مرة في كل يوم، بدءاً من يوم الأحد 5/4 وحتى يوم الخميس 9/4، وهو اليوم الذي حدث فيه- أثناء وجودي في دائرة المرور- ما دفعني في حينه إلى مهاتفة بعض النواب في المجلس التشريعي، مطالباً إياهم بالحضور إلى دائرة المرور، عسى أن يشهدوا بالبصر ويقروا بالبصيرة ما هو حالٌّ بالعمل في هذه الدائرة من خراب وتعطيل، فضلاً عن الإهانة للمواطن والحط من قيمته كمواطن صامد ومقاوم في آن، ومن كرامته كآدمي كرّمه الله سبحانه، إذ قال: "ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً".

تنبّه العاملون في دائرة المرور أنني- متحدّثاً على الهاتف النقال- كنت أتحدث عن دائرة المرور، واصفاً تعطيل العمل فيها، حيث شباكٌ واحدٌ فقط مفتوحٌ للعمل، فيما الشبابيك الأخرى معطّلة ومكتوب على كل واحد منها كلمة "مغلق"، بينما عاملون آخرون لا يفعلون شيئاً كما رأيتهم وكما رآهم أبناء هذا الشعب الذين كانت القاعة طافحة بهم لعدم تسيير أمورهم فيما كل منهم في داخله مَرْجَل يغلي فيهمس متذّمراً لمن حوله.

موظف واحد وحيد في شباك واحد وحيد هو الذي كان يعمل حيث العشرات على هذا الشباك مكومون، فيما الشبابيك الأخرى مغلقة وفي سكون!!! هكذا كان الأمر!

ظنّ العاملون أنني ربما كنت أهاتف مسؤولاً أصف له حال دائرة المرور، ما دفعهم إلى استدراك الأمر فأشاروا إلى بعض الواقفين في الطابور الطويل أن يأخذوا أوراقي لينجزوا لي مهمتي، الأمر الذي استفزني وأثار بقية من هدوء في حفيظتي، فقلت: "لا يا سيدي، خسئتم وخاب ظنكم. لست رخيصاً يساوم على غيره لصالحه. لن أجدد رخصة قيادتي وسأجعل من هذا الخراب موضوعاً". غادرت دائرة المرور لأهاتف شخصية ثائرة لها وزن وحساب، وشخصية أخرى لها نشاط وحضور. كان ذلك بعد ظهر يوم الخميس 9/4/2015. تعمدت بعده أن أغيب عن دائرة المرور بضعة أيام، وقد كان، حيث ذهبت إليها في اليوم الخامس وهو الثلاثاء 14/4/2015 على أمل أن

يكون الحال قد تغيّر فانصلح. غير أنني وجدت أن الشباك الواحد والوحيد الذي كان يعمل والذي كان يتأبطه أصحاب حاجات مكومون ما يزال على حالته، كما وجدت موظف هذا الشباك على حاله أيضاً. وجدت شباكاً واحداً فقط من الشبابيك التي كانت طيلة الأيام الماضية مغلقة قد أزيلت عنه يافطة "مغلق" يقف عليه خمسة أشخاص، فيما الموظف ليس موجودا. لدى سؤالي المنتظرين على هذا الشباك، علمت أن الموظف كان قد جلس على كرسيه لدقائق معدودات ثم اختفى. كان طلاب الحاجات قد أتوا من الشباب المكتظ إلى هذا الشباك بعد أن لم يكن أحد عليه لمجرد أن رأوا أن الموظف قد جلس على كرسيه، ولكن بعد أن طال غياب هذا الموظف، ظلّ طلاب الحاجات يتسرّبون من طابور هذا الشباك هاربين مرة أخرى إلى الشباك الأول الذي كانوا قد غادروه إلى أن انخفض العدد إلى هذا العدد الذي رأيته... خمسة فقط. وقفت مع طلاب الحاجات الخمسة لأصبح سادسهم على أمل أن يأتي الموظف... ولمّا لم يأتِ الموظف بعد انقضاء عشرين دقيقة، غادرت هذا الشباك إلى شباك الطابور الطويل وهو الشباك الوحيد الذي يعمل كما قلت...

استعنت بالله وصبرت إلى أن جاء دوري. دقّ الموظف على جهازه ليعيد إليّ هويتي ورخصة قيادتي ويعطيني ورقة فحص نظر في مبنى أبي خضرة. ذهبت إلى أبي خضرة، ودونما حاجة إلى وصف المعاناة في الاستدلال على المكان المطلوب، وصلت المكان ووقفت في الطابور إلى أن كان دوري (الساعة الآن هي الثانية عشرة وعشر دقائق)، حيث قدمت للموظف الأوراق المطلوبة وإذ به يعيدها جميعها إليّ في الحال، قائلاً بالحرف الواحد: "صوّر هويتك وصور رخصتك وهات إلنا صورة شخصية إلك قبل الساعة إطناش ونص". لاحظوا أنّ الساعة الآن هي الثانية عشرة وخمس عشرة دقيقة. قلت له: "يا أخ لماذا لا يكون هناك تنسيق مع دائرة المرور التي ترسلنا لكم كي تبلغنا قبل أن نأتيكم أن نحضر معنا كذا وكذا وكذا، وهو ما طلبتموه". رد قائلاً: "الحق عليهم"! فقلت في نفسي: "ما زلنا- لا سيما القادة فينا- في حاجة إلى الكثير الكثير كي نفهم ما هي المقاومة، وكيف تكون المقاومة حتى لا تضيع المقاومة، فنضيع نحن، ثم نُضيّع نحن الوطن".

أما آخر الكلام، فهل تدرك دائرة المرور بصفتها مؤسسة ذات إدارة ويديرها مديرٌ عالمٌ بالإدارة، وهل يدرك الموظف بدائرة المرور، وهل تدرك دائرة الفحص الطبي بصفتها مؤسسة ذات إدارة ويديرها مدير عالم بالإدارة، وهل يدرك الموظف في دائرة الفحص الطبي قيمة الوقت الذي تهدره الإدارة ويهدره موظف الإدارة دون أن تستفيد الإدارة أو تفيد إن لم تكن معطِّلة للفائدة أو جالبة للخسارة؟! وهل تدرك الإدارة المختصة (أيّة إدارة) قيمة الوقت الذي أهدرته لمواطنٍ ربما استأذن من عمله لساعة أو بعضها، وآخر ترك متجره أو مصنعه، أو آخر ترك مريضاً يرعاه... أو... أو... إلخ؟! وهل نفهم أن المقاومة بالصاروخ والرشاش والمقلاع والحجر والنفق والقنبلة يجب أن يسبقها ويمهد لها ولمفاعليها أنواع أخرى من المقاومة على رأسها وفي صدارتها الالتزام بالأخلاق وبالنظام وبالأصول واحترام آدمية المواطن وكرامته والمحافظه على سعيه وعمله ووقته؟! وهل أدركت حركة حماس الآن بصفتها حركة مقاومة ما كان ينبغي لها أن تفعله قبل اليوم، ولم تفعله حتى اللحظة؟! وهل أدرك المثقفون، في غزة تحديداً، أن مستوى ما لديهم من فعل وحضور يؤكد أنهم ليسوا مغيبين فحسب، بل غائبون أيضاً؟!

بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني

جامعة الأزهر بغزة