عين الشاعر عبد الناصر صالح ، ابن محافظة طولكرم ، وكيلاً لوزارة الثقافة الفلسطينية . وجاء هذا التعيين عن جدارة واستحقاق ، وبفضل إسهاماته في الحياة الثقافية والوطنية ، وإثرائه المشهد الثقافي الفلسطيني تحت الاحتلال بقصائده المتميزة الملتزمة ، وجهوده في تعزيز التواصل الثقافي مع شعراء وأدباء الداخل الفلسطيني ، وتنظيم الأمسيات والندوات والحلقات الأدبية والثقافية في العديد من قرى ومدن ومحافظات الوطن .
وهذا التعيين بلا شك هو انجاز للثقافة الشعبية الوطنية والديمقراطية الفلسطينية ، أحد روافد المقاومة والنضال ضد الاحتلال ، التي ينتمي إليها عبد الناصر صالح ، ويعد من روادها وأعلامها ومثقفيها ومبدعيها وكواكبها الشعرية والأدبية الساطعة ، التي أضاءت الساحة الثقافية الفلسطينية ، وساهمت في تبلور وتطور الأدب المقاوم والانتفاضي في المناطق المحتلة عام 1967، وفي ترسيخ الهوية الوطنية وتعزيزها ، وتدعيم صمود شعبنا في أرضه ووطنه ، وتصديه للمحتل ، وتمسكه بالحلم والأمل والتفاؤل الثوري ، رغم العتمة والظلمة والبؤس اليومي .
عبد الناصر صالح شاعر فلسطيني مناضل ، جمعتني وربطتني به صداقة ومودة لم تفتر مع الزمن ، رغم البعاد والفراق ، والده الشاعر والمناضل محمد علي صالح ، أخ الشاعر عبد الكريم الكرمي في الرضاعة ورفيق دربه . عرفه القراء منذ حوالي أربعة عقود من خلال قصائده وأشعاره الوطنية والسياسية والثورية والوجدانية والإنسانية الملتزمة ، التي كان ينشرها في الصحف والمجلات والدوريات الثقافية التي كانت تصدر آنذاك ، مثل " البيادر " و"الفجر الأدبي" و"الكاتب" و"الشراع" و"العودة" و"العهد" و"الفجر" و"الشعب" و"الميثاق " وغيرها .
وهو يستحق لقب شاعر الحرية ، وشاعر الوطن، وشاعر السجناء ، وشاعر الأرض ، وشاعر الشمس ، وشاعر الفقراء ، فهو عاشق لكل ذرة تراب في وطنه الفلسطيني الذبيح والجريح والكسير والأسير ، وغمد في سجون ومعتقلات وزنازين الاحتلال ، بسبب مواقفه ونشاطه السياسي والثقافي ومقاومة المحتل الغاصب . وفي السجن تفولذ وأصلب عوده ، وتعمقت ثقافته ، ونضجت تجربته ، وخرج من وراء الأغلال أٌقوى وأشد ، وأكثر إرادة وعزيمة وإيماناً بعدالة قضية شعبه المكافح والمنافح عن حقوقه الوطنية . ولا شك أن المعاناة العميقة التي عاشها في وطنه ، هي التي حركت الوقود في نفسه وأعماقه نار الفكر والغضب الساطع والثورة المتأججة ، ولن ينسى يوماً ما ذاقه من عذاب وألم ومعاناة خلف القضبان وفي غياهب الزنزانة ، التي خرجت في حلكتها وظلمتها أجمل وأصدق قصائده .
ويتوزع نتاج عبد الناصر صالح الشعري في سبعة مجاميع شعرية ، وهي :" الفارس الذي قتل قبل المبارزة ، داخل اللحظة الحاسمة ، خارطة للفرح ، المجد ينحني لكم ، نشيد البحر ، فاكهة الندم ، مدائن الحضور والغياب " .
ومن نافلة القول ، أن عبد الناصر شاعر متجاوز بامتياز ، يحلق عالياً في فضاء الحرية وسماء الوطن ، يعانق الجرح ويسكن الألم ، ينتمي إلى معسكر الفقراء والجياع والمضطهدين والمقهورين ، ويلتزم قضاياهم ويعبر عنها ، وهو مرتبط ومسكون بالهم الإنساني الطبقي والوجع الفلسطيني ، وقصائده معمدة بالدم والنار ، وتتأجج غضباً وثورة وتمرداً . وقد أكد وأثبت حضوره الشعري بجدارة وتميز من خلال نصوصه الشعرية الفنية والجمالية الصادقة ، وعباراته الجميلة ، ولغته العذبة ، وصوره الشعرية البديعة ، وخياله الخصب ، المتجسد في دلالاته وإيحاءاته ومعانيه العميقة ، وفي رؤيته الفنية المعرفية والفكرية الناضجة وأصالته الشعرية المتجددة ، فضلاً عن الشفافية والابتعاد عن المباشرة التي طبعت قصائد البدايات .
إنه باختصار ، شاعر يعيش قصيدته فعلاً وقولاً ، وألماً ووجعاً وقلقاً وهماً وحزناً واغتراباً ، كانت وستظل فلسطين في قلبه ووجدانه وفي كل مكان .
وإذ نهنئ الصديق الشاعر عبد الناصر صالح بتعيينه وكيلاً لوزارة الثقافة الفلسطينية ، نتمنى له المزيد من التقدم والنجاح في أداء مهمته ورسالته الوطنية ، ونرجو له دوام العطاء والإبداع الشعري وخدمة قضايا شعبه ، حتى الانتصار على القهر والظلم والموت ، والخلاص من ليل الاحتلال الزائل حتماً .
بقلم/ شاكر فريد حسن