رأى الدراسة
ـــ فى إحدى خطبه، بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، قال الرئيس السادات "مصر لن تخوض حرباً مرة أخرى إلا لحماية مصادر المياه"، ويبدو أن توقعات الرجل صدقت، لا أقصد من زاوية الحرب، وانما أقصد زاوية توقعاته لما ستواجهه مصر بعد تصريحه بعقود، مما نتابعه الآن.
وربما نتفق أن السادات، بذكائه السياسى، كان قارئاً جيداً للخريطة السياسية الإقليمية وروابطها الخارجية، يمتلك من القدرة التحليلية العميقة للأوضاع من حوله ما يمكنه من توقع تداعياتها المستقبلية، ولعل توقعاته عن الأزمة القادمة، دفعته الى محاولة منع مصر من أن تخوض حرباً للمياه، فطلب دراسة لتوصيل مياه النيل الى القدس، والتى يبدو أنها كانت مناورة ساداتية لإمتلاك سلاح قوى يمكن لمصر الإعتماد عليه مستقبلا للضغط على إسرائيل أو مواجهتها فى أى حرب مستقبلية محتملة، بصرف النظر عن تصريحاته المتكررة عن حرب اكتوبر كآخر الحروب، إلا أن البعض نظر إليها وقتها كبالون إختبار للرأى العام المصرى، قامت مصر قيامتها بعده، لولا إستدراك الأمر ونفى الموضوع.
ومع التعمق فى محددات الأزمة الحالية وعناصرها، سنستنتج بسهولة أنه لن تصبح ثمة جدوى حتى من توصيل المياه الى اسرائيل بعد إكتمال بناء سد النهضة !
فلو إكتمل بناء السد فسيتحول الى ورقة ضغط إسرائيلية حقيقية وسيف مسلط على رقبة مصر، حتى لو كانت مياه النيل تتدفق إليها، إذ يمكنها ضربه متى شاءت فى أى حرب قادمة، ومن قواعدها العسكرية فى إريتريا أو فى إثيوبيا نفسها، لينتج أثره التدميرى كما أسلفنا فى الحلقات السابقة !
ـــ وكما إستعرضنا على صفحات الدراسة، فمن العجيب أن يتوقف إستناد الموقف المصرى الى الجانب القانونى فقط، وتحدياً إلى ثلاث تقاك أساسية تلخص مضمون كل إتفاقيات النيل، على حد رأيى:
الأولى: الحقوق المكتسبة التي تكونت عبر فترة طويلة من الزمان، نتيجة المعاهدات.
الثانية: الحقوق التاريخية التي لم ينازعها عليها أحد فى استعمال مياه النيل لآلاف السنين، دون وجود عائق، إلا مؤخراً، ودون وجود بديل، الأمر الذى فى حقيقته يخصُّ مصر وليس بقية دول الحوض.
الثالثة: الاستناد الى "مبادىء التوارث الدولى للمعاهدات" وبالتالى ترى مصر، وحدها !، حتمية قبول كل أطراف حوض النيل بما جاء فيها.
ـــ صحيح أن الدول الأفريقية إتفقت، عند إنشائها لمنظمة الوحدة الأفريقية فى ستينيات القرن الماضى، على التسليم بالحدود المتوارثة عن الإستعمار، بعيوبها وتشوهاتها، حفاظاً على الإستقرار فى العلاقات الدولية، فكان الأولى عليها إذاً القبول بصحة إتفاقيات النيل، وهى أيضا اتفاقيات استعمارية.
إلا أنه، وعلى حد رأيى المتواضع، فبالتدقيق فى "مبدأ التوارث الدولى" ومعاهدة فيينا 1978، سنجد أنها حددت الأصل، بالنسبة للدول حديثة الإستقلال، بأن تعلن موقفها من الإلتزام بالمعاهدات السابقة أو عدم الإلتزام بمجرد إستقلالها، مع ملاحظة أن معاهدة فيينا 1978 لم تضع محدداً زمنياً لتعبير "بمجرد إستقلالها"، سواء بوجوب النص على موقف الدولة المستقلة من المعاهدات الدولية فى بيان أو وثيقة الإستقلال، أو بعده خلال فترة زمنية محددة، لا يجوز للدولة المستقلة بعدها رفض أى معاهدة دولية وُقِّعَت نيابة عنها قبل الإستقلال.
من ذلك:
أولاً: إعلان تنزانيا بعد 6 أشهر فقط من إستقلالها، وفى أول لقاء دولى يشهده رئيسها بعد الإستقلال، "جوليوس نيريري"، أثناء إلقاء خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة نوفمبر 1964، عن رفض تنزانيا الإعتراف بإتفاقيات النيل التى وقعها الإستعمار نيابة عنها قبل الإستقلال، فيما يعرف اليوم بــ "مبدأ نيريرى" كما إستعرضنا من قبل.
بمعنى أن دولة تنزانيا طبقت حرفياً ما أقرته إتفاقية فيينا بعد ذلك بسنوات، وهو المبدأ الذى سارت عليه أغلب دول الحوض قبل معاهدة فيينا، والتى كان إعلان إستقلالها لاحقا لمعاهدات النيل وسابقاً لمعاهدة فيينا.
أقصد أن ما حددته إتفاقية فيينا 1978 لم يكون موجوداً فى أدوات القانون الدولى وقت إستقلال تلك الدول، ولا قانون بأثر رجعى على حد فهمى المتواضع !
ثانياً: إعلان دولة جنوب السودان فى مارس 2013، وبعد حوالى 20 شهراً من إستقلالها يوليو 2011، عن رفضها لإتفاقية 1959 النيلية بين مصر والسودان الموحد، تطبيقاً، هذه المرة، لمعاهدة فيينا 1978
ـــ هنا تجب الإشارة إلى صمت مصر عن مخالفات كثيرة إنتهكت إتفاقيات ومعاهدات نهر النيل جميعها من أغلب دول الحوض، خاصة فيما يخص "مبدأ الإخطار المسبق"، وذلك لأسباب سياسية، منها ما كان أثناء المواجهة مع إسرائيل فى الستينيات، وحاجة مصر وقتها لأصوات أفريقيا فى الأمم المتحدة، بينما إحتجت مصر، وأيضا لأسباب سياسية ولكن فى إتجاه آخر، على مشروعات أخرى كانت يتحتم أن تدعمها تنمية للعلاقات الإنسانية بينها وبين دول القارة، كمشروع مياه الشرب من بحيرة فيكتوريا فى تنزانيا فبراير 2004 على سبيل المثال، والذى ربما إحتجت عليه مصر لمجرد الإنتقام من موقف نيريرى فى الستينيات.
هنا صمتت مصر على بعض الإنتهاكات، فأدرجها الصمت تحت مبادىء القانون الدولى، كحقوق تاريخية للدول المنتهكة للمعاهدات، تنطبق عليها المبادئ الحاكمة لفكرة الحقوق التاريخية التى إنتهت إليها محكمة العدل الدولية حين قررت ثلاثة شروط يتعين توافرها للإعتداد بهذه الحقوق، هى:
1. وجود ممارسة ظاهرة ومستمرة للحقوق، تتمثل فى حالتنا فى المشروعات
2. يقابلها موقف سلبى من الدول الأخرى، يتمثل فى عدم إعتراض مصر
3. مع إستمرار هذا الموقف السلبى لفترة زمنية كافية لإستخلاص قرينة التسامح العام، يتمثل فى الصمت المصرى، مع ملاحظة أن القانون الدولى لم يحدد تلك الفترة الزمنية الكافية !
بمعنى أن الدول المنتهكة إرتضت، وطبقت شروط المحكمة الدولية، فأصبح موقفها، على حد رأيى، بمثابة قاعدة جديدة تستند إليها فى أى مشروعات قادمة قد تحتج عليها مصر!
ـــ أيضا، وبعد فشل كل المعاهدات أو المبادىء، وكل نصوص القانون الدولى فى منع إثيوبيا من الشروع فى بناء سد النهضة، إنحصر السعى المصرى ليس فى منع إقامة المشروع، وفقا للقانون والمعاهدات الدولية، وإنما فى مجرد "إلتماس" إطالة زمن الملىء أو تقليل سعة السد !!
بمعنى أن مصر قد إرتضت أمام القانون الدولى بالأمر الواقع، وأكدت رضاها فى توقيع المبادىء الأخير بينها وبين السودان وإثيوبيا، ذلك التوقيع الكارثى، على حد رأيى المتواضع، الذى سيعد ملزماً لمصر أمام القانون الدولى، والذى أفقدها السلاح القانونى الوحيد، رغم ضعفه، وأهدر كل الإتفاقيات والمعاهدات والحقوق التاريخية، وأصبحت مصر بعده، ولأول مرة فى تاريخها على سطح الكرة الأرضية، حتى قبل أن تكون دولة، أصبحت تتفاوض من نقطة جديدة تماماً ليس لها أى مرجعية سابقة، ودون أى سند قانونى أمام الجماعة الدولية، وخارج إطار كل الإتفاقيات السابقة.
التحول الأخطر أن مصر أصبح عليها إنتظار تعطف الإثيوبيين بالتوقيع على معاهدة جديدة مشتركة لا علاقة لها بتاريخ المعاهدات النيلية السابقة، ولا شىء يجبر الإثيوبيين اليوم على توقيعها ولا التورط فى الإلتزام ببنود فيها لا يرتضونها! معاهدة إذعان تام وتحصيل للحاصل الفعلى على الأرض.
وحتى لو قبلت إثيوبيا ووقعت على معاهدة جديدة، فلن تكون ذات معنى لمصر، إذ سيكون توقيع إثيوبيا فى حدود الفائض من إحتياجاتها النيلية فقط !، بمعنى أن ما ستسمح بمروره من مياه النيل الى مصر مستقبلاً سيكون مجرد هبة وإحسان، أو بتعبير أكثر دقة سيكون "منتجاً ثانوياً" يجب التخلص منه لعدم الإضرار بالسد العملاق! وليس حقوقاً مصرية تضمن الحياة والبقاء، فما معنى الحديث المستمر إذاً عن القانون الدولى الذى إنتهكته إثيوبيا ؟!
الأخطر أن موقف مصر الضعيف الظاهر، مع توقيع المبادىء، وثبوت عدم جدوى القانون الدولى ومعاهداته، وضرب إثيوبيا عرض الحائط بكل ذلك، فسيغرى، لا شك، بقية دول حوض النيل على إقامة سدود ومشاريع أخرى دون إحترام لأى معاهدة أو موقف، خاصة مع هيمنة اللاعب الإسرائيلى الذى يقوم بوظيفة الديلر Dealer فى لعبة البوكر، إضافة الى الولايات المتحدة .. مديرة كازينو القمار فى المنطقة !
ـــ أيضا من المقلق جداً لأمثالى من غير صناع القرار السياسى فى الدولة المصرية، صور عدم إستيعاب بعض النخبة المصرية السياسية لخطورة الحدث، فنسمع تلك الحلول الرومانسية الحالمة عن إستيراد الماشية من إثيوبيا أو الزراعة فى أراضيها، رغم فشلنا فى الزراعة فى أراضينا بعد خبرة ألاف السنين !!!، أوالإستثمار مع إثيوبيا، أو إستيراد إنتاجها من الكهرباء الذى حصلت إسرائيل على عقد تسويقه !
حلول ساذجة تنبىء عن فشل ذريع فى تقدير الموقف، أخفَّها ذلك الذى يتحدث عن حتمية التفاوض مع إثيوبيا وهو ربما يدرك أن الباب مغلق من الإتجاه الآخر !
ـــ لذلك علينا وضع آليات قوية علمية ومدروسة لإدارة النزاع، الذى لا تخرج إدارته، شأنه شأن أى نزاع عموماً، عن ثلاث نظريات متبعة، على مصر أن تختار الأنسب منها:
أولاً نظرية الردع: باستخدام القوة المسلحة من أجل إكراه الخصم وإجباره على التراجع عن موقفه وعدم التنازل لمطالبه, مهما كان حجم التهديدات الذي يشكله, وهو أسلوب يعتمد فى الأساس على قدرة الدولة على مواجهة الخصم وتحمل النتائج .
ثانياً نظرية المساومة: بمعنى أن يكون التفاوض أساسا للموقف, والأصل أن المفاوضة معناها الإستعداد للتنازل عن بعض المواقف المبدئية مقابل تنازل الخصم عن بعض مطالبه, فهي اذن حلول وسطى او عملية توفيقية.
ثالثاً نظرية الألعاب: أو المعادلة الصفرية، وينتهجها صانع القرار إذا كانت مصالحه أو وجوده يتوقف على خسارة الطرف الاخر أو القضاء عليه.
بمعنى أنها التهديد القابل للتصديق، أو خلق هاجس الرعب لدى أحد اللاعبين، وذلك عندما يطلب اللاعب الأول طلباً من الثاني, مع وجود تهديد حقيقي قابل للتصديق ينفذ بحق الثاني إن لم ينفذ الطلب, وتبدأ اللعبة عندما تضع اللاعب الثاني في دوامة الخوف من إمكانية تنفيذك للتهديد.
ـــ أيضاً أتصور أنه يجب على القيادة المصرية، مصارحة الشعب بالموقف، دون أن تكتفى، لظروف أمنية مفهومة، بعدم الإعلان عما يدور خلال زيارات رأس الدولة أو مسئوليها هنا أو هناك.
إذ يجب توعية الشعب أن مصر تخضع الآن لأكبر عملية إبتزاز حقيقى لم تشهده منذ تأسيسها على يد الفرعون مينا سنة 3200 قبل الميلاد، وأن هناك من يجلس على رأس النهر للعبث فى شريان حياتها، وأن عبثه هذا بدأ ولن يتوقف، ولن يصل الى حد معين من التهديد والإبتزاز والإخضاع، ولكنه يجاس حاملاً العصا والجزرة، إن أحسنت مصر كما يريد، سواء بقواعد أو بتسليم سيناء أو بتطبيع أو بتغريب أو بإنتهاك قيم المجتمع ليتفكك ويتحلل أو حتى بتوصيل النيل، كان لنا جزء من الجزرة لن يسمن، بعد السد، ولن يغنى من جوع، وإن رفضت مصر كانت العصا، أو السكين الذى سيجرح به شريان الحياه ليقطعه تدريجيا مستمتعاً بألم المجروح وأنين المتألم.
ـــ أيضاً يجب على القيادة السياسة أن تسخر كل الطاقات لشحذ همة الشعب المصرى وتفعيل عنصر مهم من عناصر مقومات الدولة، ربما لم تذكره النصوص الأكاديمية، إلا أنه يبقى العنصر الحاسم فى أى معركة، أعنى عنصر الإرادة الشعبية، ودروسها معروفة وملموسة عبر التاريخ من الهكسوس الى التتار الى حرب اكتوبر 1973، والتى كانت كل التقديرات تشير الى هزيمة مصرية غير مسبوقة، فإذا بزمجرة مصر وهبتها بعد أن حسبها العالم فى ثبات عميق، لتؤكد أن أمان مصر فى ذاتها، خلق معها يوم أراد الله تعالى لها أن تكون، وأمان مصر عبر التاريخ كان شعبها وجيشها، بينما كانت ديبلوماسيتها وسياستها عناصر مساعدة للعنصرين الأساسيين.
ـــ لذلك يجب أن لا نخرج الخيار العسكرى من حساباتنا، وليس كما يروج محللو الفضائيات أنه خيار يجب إسقاطه مع الأشقاء النيليين !، بل يجب تفعيله، ولو للضغط بعيداً عن الإعلان الرسمى، حتى مع يقيننا أن البعض ربما يستخدم إثيوبيا لإستدراج الجيش المصرى خارج حدوده.
يجب تفعيله ولو بإتخاذ تدابير هذا الخيار والإستعداد له، بخروج الجيش فوراً، تحت هذا الإتجاه، من أية مستنقعات دفعه إليها البعض، فاختار، راضياً، التضحية والغوص فيها حرصاً على سلامة البلاد.
فخروجه وإستعداده سيكون رسالة قوية أنه ليس بعد الموت موت، أو كما يقول مثلنا المصرى العامى (يا واخد قوتى "طعامى" يناوى على موتى)، وما يحدث اليوم لن يأخذ طعامنا فقط، وإنما هو سد عملاق لن يحجزالماء فقط، ولكنه سيحجز العزة والكرامة الوطنية أيضاً، تلك التى بدونها لا تقوم للشعوب الجرة الحية أية قائمة.
أيضاً يجب تطوير المعركة لتشمل الضغط فى إتجاهات أخرى مؤلمة، سواء لإسرائيل أو أمريكا أو الصين ولكل الدول الداعمة لسد النهضة بالمواقف أو التمويل.
ـــ وهنا يجب التوقف برهة عند العلاقات المصرية مع السودان ومع السعودية، حتى تستبين الأمور وتتضح ..
أولا السودان:
السودان الذى أيد بناء سد النهضة، والذى وقف رئيس الوزراء الأثيويى متحدثاً، ديسيمبر 2013، من على منصة نصبت أعلى سد مروى السودانى معجبا بالسد معتزاً بالعلاقات المتطورة بين بلاده والسودان، وغير ذلك من حراك وتحركات ومواقف أثارت قلق مصر بكل تأكيد، وحملت معها رسائل، إبتزاز "بشيرية" سودانية سواء لمصر أو لإريتريا، أنه من الممكن ان يبيع الدولتين لصالح إثيوبيا مقابل ما لم يعلن !!
بينما إثيوبيا على إستعداد أن تمنح كل شىء فى مقابل أن يمنحها السودان منفذاً على البحر الأحمر، بعد أن فقدت حرية التعامل فى منافذها البحرية بعد إستقلال إريتريا.
هنا، على مصر الضغط بمخاطبة القوى السياسية المؤثرة فى السودان، أو القوى المعارضة لنظام البشير الإستبدادى، بطريق أو بأخرى لن تغيب عن فطنة صاحب القرار المصرى!!.
فتاريخية ووثاقة وإستراتيجية العلاقات مع مصر، لا يمكن للسودان، الباقى بعد زوال البشير، أن يضحى بها لمكاسب غير مأمونة.
أيضاً، النظر المصرى الى دور إريتريا ووجودها داخل السودان سياسياً وقبلياً، مقابل الوجود الإثيوبى الداعم لدولة جنوب السودان.
ثانياً السعودية:
وبإيجاز دون الدخول فى تفاصيل، وكمواطن مصرى بسيط، أفهم أن تعبير الرئيس السيسى الشهير "مسافة السكة" لدعم دول الخليج عسكرياً إذا تعرضت لأية إعتداءات، رغم وجود القواعد الأمريكية العملاقة بطول الشاطىء العربى للخليج! يجب أن يقابله تقديم تسهيلات سعودية لإنشاء قاعدة عسكرية مصرية فى "نجران" جنوب السعودية فى مواجهة إثيوبيا تأمينا للمصالح المصرية فى النيل، ولو من باب إبداء النوايا العسكرية المصرية.
ـــ وكما يجب ما سبق، يجب أيضا أن تعترف مصر بإجحاف المعاهدات التاريخية بحقوق الأفارقة من دول حوض النيل، وأن تخرج من سياسات النهر العقيمة التى لم تجلب إلا المزيد من الضرر، وأن تعى مصر جيدا أن ما تستند إليه من حقوق ومكتسبات وقانون دولى، لم يُظهِر جميعه أية كرامة عند اللزوم، وأن تسعى من نفسها لوضع تصورات جديدة لزيادة موارد النيل، كمشروع نهر الكونغو من منطلق ما تناولناه فى الحلقات السابقة، ومن ثم إعادة التقسيم والمحاصصة على أسس جديدة منطقية، تتفق مع التطور التنموى لدول حوض النيل وطموحاتها المستقبلية وتتناسب مع التعداد السكانى الجديد، والذى يظهر أثره على مصر نفسها فى فارق تعداد السكان وبالتالى كمية احتيجاتهم من المياه
فمن 25 مليون نسمة مصرية فى 1959 ورقعة زراعية معينة، الى ما يقرب من 100 مليون نسمة فى 2015 ورقعة زراعية زادت كثيرا، رغم نقصان مياه النيل، منطقياً، عن الــ 55 مليار بالفعل، نتيجة السدود على حوضه أو تغير العوامل المناخية خلال ما يزيد عن النصف قرن، وان لم نجد تقارير معلنة بذلك ندعم بها هذه الدراسة !!
ـــ الشاهد، أن مصر اليوم تدفع ثمن إستهتارها وتعنتها مع دول حوض النيل على مرّ السنين، تلك هى إحدى الحقائق المؤكدة التى تشير جميع عناصر الأزمة إليها كما إستعرضنا بالتفصيل على صفحات الدراسة، فالنزاع حول سد النهضة ليس كياناً مستقلاً قائماً بذاته، وإنما هو حلقة من حلقات صراع له جذوره القريبة والبعيدة.
وأنه يجب أن نعلم جميعنا أنها حالة حرب وليست ديبلوماسية المفاوضات، وأن الخيار الوحيد ليس الجدل حول المعدل الزمنى لملىء السد، وإنما يجب إمتلاك وتفعيل آليات حقيقية لإجبار إثيوبيا على أحد خيارين:
• إما على البناء بطريقة لا تلحق الضرر بمصر، وبمعامل أمان مرتفع وعمر إفتراضى ممتد وآليات للصيانة، ووجود إشراف مصرى قوى فى كل مراحل البناء ثم فى الإدارة.
• وإما بمنعها أصلاً من إقامة السد لو رفضت العرض السخى السابق، فحروب البقاء لا تخضع لقانون ولا لمعاهدات، والقتل يستوى عطشاً أو بالرصاص.
فى كل الحالات، فتحجيم إثيوبيا يجب أن يكون الآن، وبأية خيارات متاحة، فما يصلح اليوم لن يجدى غداً إذا إكتمل بناء السد ودخل الى الخدمة، خاصة الخيار العسكرى.
فضرب السد مستقبلاً معناه بقاء إثيوبيا مع بعض خسائر التمويل، بينما يعنى دمار شامل لمصر والسودان، دمارلمصر، سواء بيدها، إن ضربت السد، أو بأيدى إسرائيلية إن ضربته لتدمير مصر فى الحرب القادمة لا محالة.
وليس بعد الذُلّ ذُلّ، أن تجد مصر نفسها مضطرة غداً لحماية سد النهضة كما تحمى الآن منشآتها الإستراتيجية، تحميه، على طريقة أخذ التعهد فى قسم الشرطة ! تحميه وهى تعلم أنه قنبلة موقوتة حتمية الإنفجار، إن لم يكن اليوم فستنفجر غداً.
ونستكمل فى الحلقة القادمة، قبل الاخيرة، لنعرض ملحقاً لحصر تسلسل الأحداث المهمة، ذلك إن أراد الله، ثم أذن مضيفونا وكان فى العمر بقية.
علاء الدين حمدى شوَّالى
[email protected]