منذ انطلاقة حركة حماس وظهورها على خارطة السياسة الفلسطينية, وهي في حالة صراع وصدام, ليس مع استراتيجيتها وبرامجها فقط, بل وحتى في حالة صدام وصراع مع الشعب الفلسطيني ,حيث انها ومنذ ظهورها-بعد شهر من اندلاع الانتفاضة الاولى- وهي تعمل جاهدة وبالتدرج وكأنها كل الجسد الفلسطيني وما هو خارج عنه من قوى وفصائل يستوجب العمل على استئصالها ماض وحاضر ,والعمل ايضا على محو نضال تلك القوى من ذاكرة الشعب, الا انه ورغم ما قامت به من حسم وفق لما يحلو لقيادتها من تسمية انقلابهم وسيطرتهم على قطاع غزة بالدم فإن حركة حماس لم تفلح ورغم كل محاولاتها في جعل الشعب في حالة اصطفاف خلفها , كما انها لم تتمكن من استئصال كل من سعت للخلاص منه رغم ما قامت به من اجراءات من بينها السيطرة بالقوة وسن القوانين بحجة تمكين المقاومة من النصر وانهاء اسرائيل وهذا ما يذكرنا بنفس الاجراءات التي كان هتلر قد قام بها قصد دفع الشعب الالماني الى تمكينه من قيادة المانيا للاتجاه بشعبها نحو سنوات المجد .
واذا ما كان هتلر قد قاد المانيا الى الانهيار والتقسيم بعد ما قام به من قتل واعتقال وقمع بحق الشعب الالماني, بالإضافة الى سن القوانين لحماية حكمه من جهة, ولدفع الشعب نحو الاصطفاف خلفه لقيادة المانيا نحو سموات المجد كما قال من جهة ثانية ,فان حماس ان استمرت على نهجه من حيث دفع الناس الى الاصطفاف خلفها دون استراتيجية وطنية جامعة وموحدة تحت ذريعة التمكين من اجل النصر فإنها ستقود شعبنا الى زوال وانهاء تاريخه النضالي الطويل والمعمد بدماء الشهداء على امتداد انطلاق ثورته المعاصرة.
كان هتلر قد حقق سيطرته على مقاليد الحكم في ألمانيا من خلال مرحلتين رئيسيتين، حيث كانت الاولى من خلال احداث التفجيرات والحرائق قصد فرض حالة الطوارئ بحجة حماية ديمقراطية المانيا من الانهيار, فيما جاءت المرحلة الثانية في اتجاه احكام السيطرة على الحكم من خلال سن قوانينه الاستبدادية ,حيث افتعل هتلر حادثة حرق البرلمان الألماني في فبراير 1933 قصد اتهام الحزب الشيوعي ومنحه الفرصة لاستصدار مرسوم جمهوري لتحريم نشاط هدا الحزب الشيوعي وإعلان الأحكام العرفية في البلاد والذي قيدت بموجبه الحريات العامة ومنعت التجمعات والمظاهرات واتخذت الإجراءات المشددة بمراقبة الهواتف والرسائل وتفتيش الدور دون الرجوع إلى المحاكم, حيث قام هتلر بإقناع رئيس الجمهورية في حينه المارشال بول فون هندربرج بإصدار مرسوم جمهوري يقضي بتخويل وزير الداخلية وأجهزة الشرطة والأمن صلاحية منع أي تجمع عام أو مظاهرة قد تؤثر على الأمن الداخلي.
بدأ هتلر بتصفية معارضيه بشكل تدريجي ومدروس تمهيداً للسيطرة الكاملة على زمام الأمور وفرض ديكتاتوريته في ربيع عام 1933 مع نجاحه في انتزاع قرار من البرلمان الالماني يمكنه من سلطة إصدار قوانين من دون موافقة البرلمان، حتى إذا كانت تخالف الدستور داعيا الجميع الى حالة اصطفاف خلفه ليقود المانيا الى سماوات المجد في ظل صرخات النازيين المهددة بالإعدام لكل معارضي هتلر فكان لهتلر ما اراد وللنازيين ما خططوا الى انهم قادوا المانيا الى التقسيم والتخلف لا لسموات المجد كما قالوا بعد ان كانت في مصاف الدول المتقدمة علما وقوة.
ان على حركة حماس ان تدرك الان ,وقبل فوات الاوان ان ما تقوم به من التمسك بمبدأ محولات استئصال الغير, وما تقوم به من اجراءات قصد تكميم الافواه, ومن اعمال متصاعدة نحو قمع القوى الوطنية الفلسطينية والمواطنين في قطاع غزة، وسن ما يسمى بقوانين التكافل وما سبقها من فرض الضرائب والمس بالحريات العامة، ومنع الصحف ومحطات الإذاعة ومكاتب إعلامية ووكالات أنباء، والتضييق على الإعلاميين، المعارضين لسياسة «حماس» لا يدفع الشعب نحو الاصطفاف خلفها فالشعب الفلسطيني ليس قطيع من الغنم, بل هو صاحب قضية وطنية وذو قدرات ابداعية في كل مراحل نضاله الطويل وان محاولات اجراءات استئصال قواه الوطنية او قمعها لا يمكن حماس من قيادة الشعب الى الانتصار واقامة الدولة الفلسطينية بل يقودهم الى ما اوصل هتلر الشعب الالماني اليه من الهزيمة والاندثار لسنوات .
على حركة حماس قيادة وكوادر اذا ما ارادت لفلسطين ان تبقى ولشعبها ان ينتصر ان تخرج من عباءة "واطيعوا الامر" لإنقاذ نفسها بالعودة الى حض الشعب, لا بالاتجاه به نحو الانهيار وانهاء وجوده وفقا لما يصدر عنها من سياسات, وخاصة انها تعيش الفترة الأسوأ منذ تأسيسها ,حيث عليها ان تعيد حساباتها ,وهي مدعوة اليوم وقبل غدا لمراجعة مواقفها وتقييم سياساتها لتوضيح الملامح السياسية في المرحلة القادمة, ليس على مستوى سياستها الداخلية فحسب ,بل وعلاقاتها الخارجية ايضا ,فماهي مصلحتها مثلا لإبقاء الشعب رهينة لحساب مشروع الاخوان المسلمين وهل يؤدي موقفها من الحرب الدائرة بين نظام القاهرة الجديد وبين الجماعة وحلفائها وامتداداتها الى قوة او انتصار؟.
ما زلنا ننظر الى حماس على انها جزء من الشعب الفلسطيني ,وهي كما قال السيد الرئيس عنها من انها مكون اساسي من مكونات الشعب الفلسطيني فهل تتعظ وتتوقف عن النظر الى باقي مكونات الشعب على انها قوى يوجب استئصالها قصد التمكين بحجة المقاومة والاتجاه بالشعب نحو النصر والتمكين , او انها ستصر على ابقاء نفسها على خطى هتلر من سن ضرائب واحكام قاسية واجراءات امنية مشددة لتقود الشعب نحو الهاوية والسقوط الى اسفل لسنوات وربما لعقود كما حدث لألمانيا فترة نازيتها.
بقلم: ماجد هديب