الكيان.. رؤية إسرائيلية

بقلم: فايز رشيد

عبّر الكاتب الإسرائيلي آريه شافيت عن قلقه الشديد من تعاظم ظاهرة توجه الإسرائيليين للحصول على جوازات سفر أجنبية، بسبب عدم ثقتهم في إمكانية بقاء إسرائيل.
واستطرد أن فرص قدرة إسرائيل على البقاء قد تراجعت، بسبب العمى الذي أصاب القيادة الإسرائيلية، والجمود الفكري الذي يتسم به أداؤها. إن الطلاب اليهود هم الذين يقودون حركة المقاطعة ضد إسرائيل في الولايات المتحدة.. وهو ما يدلل على تآكل القناعة «الشعبية اليهودية» بعدالة المواقف الإسرائيلية»، (هآرتس، 15 أبريل 2015). في السياق نفسه جاءت مقالة الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي (هآرتس 28 سبتمبر 2014) بعنوان «ما الذي كان يجب أن يقوله عباس». جدعون ليفي صحافي ذو ضمير، يعكس معاناة الفلسطينيين جرّاء الاحتلال، تماما مثل الصحافية الكاتبة عميره هاس، في عمودها اليومي في الصحيفة نفسها، كلاهما مغضوب عليه إسرائيليا، لأنهما يسبحان عكس التيار العنصري الفاشي المتطرف السائد في دولة الكيان.كلاهما يرى: «أن مستقبل الوجود الإسرائيلي في المنطقة مرتبط بموافقة إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية مستقلة، إلى جانب دولة إسرائيل، ولأن القيادات الإسرائيلية ترفض هذا الامر.. فإن مصير إسرائيل كله تتهدده الأخطار. كلاهما يطالب بإنهاء سريع للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، من أجل مصلحة مستقبل الوجود الإسرائيلي نفسه، حتى هذا الطرح لا يعجب الإسرائيليين.
في مؤتمرعقد في جامعة حيفا منذ مدة «للرابطة الدولية للدراسات الإسرائيلية» وفي إحدى ندواته تحدث الكاتب الإسرائيلي سامي ميخائيل عن: العنصرية الصهيونية في إسرائيل، من خلال القول، «إن بإمكان إسرائيل أن تتفاخر بلقب الدولة الأكثر عنصرية في العالم المتطور». وعن سياسة إسرائيل قال الكاتب: «يوجد خطر حقيقي على إسرائيل، إذا لم تدرك القيادة الحالية حقيقة أن إسرائيل ليست موجودة في شمال أوروبا، وإنما في المركز النشيط للشرق الأوسط، المعذب، وليــــس لنا مكان فيه بعد أن جعلنا كل المحيط يكرهــــنا، وشددنا ليل نهار، على أن هذا المحيط مكروه علينا أيضــاً». وقال ميخائيل محذرا:»قد نفقد كل شيء، ودولة إسرائيل ستكون ظاهرة عابرة مثل الهيكل الأول والهيكل الثاني».
سامي ميخائيل باحث في الشؤون الاستراتيجية، وأديب له العديد من المؤلفات، من بينها الأدبية وقد ترجم بعضها إلى لغات كثيرة منها العربية التي يتقنها قراءة وكتابةً وحديثا (فهو من أصل عراقي). توقعات ميخائيل تعيد إلى الأذهان تصريحات رئيس الكنيست الأسبق أبراهام بورع، الذي صرّح في حديث له في إحدى مقابلاته «بأن إسرائيل دولة فاشية، وهي قوة استعمارية شبيهة بألمانيا عشية صعود النازية إلى الحكم». وحول واقع الحياة في إسرائيل قال بورغ آنذاك: « إن أكثر من نصف النخب الإسرائيلية لا يريدون لأبنائهم العيش في دولة إسرائيل»، ونصح الإسرائيليين باستصدار جوازات سفر أجنبية. وحول المستقبل أضاف بورغ في المقابلة الصحافية التي أجرتها معه صحيفة «يديعوت أحرونوت» 2007 قال: «إن يهودية دولة إسرائيل ستقرّب نهايتها». حينها أثارت المقابلة ضجة كبيرة في الكيان الصهيوني، وكانت بمثابة الهزة الأرضية القوية بمقاييس ريختر، فبورغ هو ابن للحاخام يوسف بورغ، الذي كان مقرباً من ديفيد بن غوريون، وتولى منصب رئاسة الوكالة اليهودية لسنوات عديدة، وتسلم رئاسة الكنيست في الفترة بين عامي 1999-2003 وتولى مناصب وزارية عديدة، ونافس مراراً إيهود باراك على زعامة حزب العمل.
أيضاً فإن ما سبق يذكر بالمؤرخ الإسرائيلي، إسرائيل شاحاك وكتاباته، خاصة مؤلفه «التاريخ اليهودي، الديانة اليهودية، وطأة ثلاثة آلاف سنة». وفيه يفصّل في شرح أصول العنصرية في تاريخ اليهود تجاه الآخرين، التي ازدادت حدتها بوجود دولة إسرائيل». وحول توقعاته بالنسبة لمستقبل دولة إسرائيل صرّح شاحاك مراراً «بأن مصيرها إلى زوال»، ولذلك كان مُحَارَباً في الكيان الصهيوني بوسائل عديدة. وفي السياق نفسه يأتي المؤرخ الإسرائيلي ايلان بابيه في مؤلفه القيّم «التطهير العرقي للفلسطينيين» الذي يكشف فيه المخططات الإسرائيلية بُعيد إنشاء الدولة الصهيونية وبالوثائق: تطهيرها العرقي للفلسطينيين، وتواريخ المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحقهم، وغير ذلك من أشكال القتل والتحايل لتهجير الفلسطينيين. بابيه ومثلما ذكر في تصريحات ومقابلات كثيرة له «أنه ونتيجة لعنصرية إسرائيل ودمويتها لم يستطع العيش فيها»، ولذلك غادر إلى بريطانيا، وهو يمارس التدريس في إحدى جامعاتها. للسبب نفسه سبق للمحامية الإسرائيلية التي اشتهرت بدفاعها عن الأسرى الفلسطينيين في المحاكم العسكرية الإسرائيلية فيليتسيا لانجر، أن هاجرت هي وعائلتها إلى ألمانيا. بابيه ولانجر يعترفان في أقوالهما بأن استمرار إسرائيل في نهجها الدموي مع الفلسطينيين وفي عنصريتها المتزايدة سيؤدي بالضرورة إلى زوالها.
هؤلاء قلّة في إسرائيل، الذين يتنبأون بمصير أسود لدولتهم، وقيمة أقوالهم أنها جاءت من يهود عاشوا (ومنهم ما يزال يعيش ومنهم من مات شاحاك) لسنوات طويلة في الكيان الصهيوني، وكانوا على تماس مع كافة أشكال العدوان والقتل الذي مارسته إسرائيل، وما تزال، ضد الفلسطينيين والعرب. ولأن الفاشية والعنصرية متلازمتان إضافة إلى الشوفينية والعنجهية، والأنا المضخّــمة هي قضايا «طبيعية» لدى معظم الإسرائيليين، فإن هذه الصفات ليس لها آفاق بالزوال في هذه الدولة وستظل من سماتها الرئيسية.
حرّي القول إن العامل الفلسطيني والآخر الشعبي العربي وعنوانهما الأبرز: «مقاومة إسرائيل ومشاريعها للمنطقة»، وهما عاملان فاعلان، فالمقاومة الفلسطينية، كما أثبتت صمودها في وجه كل مشاريع العدوان الإسرائيلية، لذا فهي ستظل قائمة ولن يستطيع أحد أو جهة نزعها من الصراع. كذلك هي المقاومة الوطنية الشعبية العربية.
هاتان المقاومتان تشكلان رأس جسر على المدى المستقبلي التاريخي، لإمكان قيام مقاومات شعبية عربية أخرى للمشروع الصهيوني في المنطقة. الفلسطينيون مؤمنون ومصرون على نيل حقوقهم، والأمة العربية كذلك من المحيط إلى الخليج، تعتبر المشروع الصهيوني التوسعي خطرا على الوجود العربي برمته، ومصيره مثل مصير كل المستعمرين والمحتلين الذين جاءوا إلى هذه المنطقة، ففي النهاية حملوا عصيّهم على كواهــلهم واضطروا إلى الرحيل. الدم لا يستسقي إلا الدم. العدوان والعنصرية لن يتوقفا، فبعد ما يقارب الــ67 عاماً على إسرائيل، فإن الحقيقة الساطعة أنها كانت وستظل متحالفة مع كافة أشكال الاستعمار، فلم يزدد فيها سوى العنصرية والعدوان، بالتالي ستتوقع مقاومة هذا المشروع، المؤهل أيضا من داخله، إلى فشل حتمي في العديد من جوانبه. هكذا ا يتوقع بعض الإسرئيليين… نقول ذلك من دون تعليق.

٭ كاتب فلسطيني

د. فايز رشيد