بيرزيت تنذر الحركة الوطنية الفلسطينية

بقلم: محمد أبو مهادي

فتحت نتائج إنتخابات جامعة بيرزيت الحالة السياسية الفلسطينية على فصل جديد من فصول العمل السياسي بعد درس الإنتخابات التشريعية في العام 2006، الذي كان صعباً على مجمل الحركة الوطنية بما فيها قوى اليسار الفلسطيني وبعض التحالفات الليبرالية، درس لوحت برايته الخضراء فتاة "متبرجة"- حسب وصف جماعات الدين السياسي، إختارت التصويت لصالح قوة سياسية يتعارض برنامجها الإجتماعي والنقابي مع حرياتها الشخصية تابعة لحركة حماس، كما فعل أكثر من 50% من إجمالي الناخبين، ودفع ثمنه منظمات نقابية طلابية أخفقت في حشد طلاب الجامعة حولها بعد أن فشلت أحزابها السياسية في حشد الجماهير خلفها في أكثر من مناسبة، لتواصل التراجع سنة بعد أخرى وتتجاهل المراجعات المطلوبة لتصويب أوضاعها بشكل حقيقي يعيدها إلى دور الريادة في قيادة الشعب نحو المستقبل الذي يحلم به الشباب الفلسطيني.

لجامعة بيرزيت خصوصية مختلفة عن بقية الجامعات الفلسطينية، فهي تمثل عينة حقيقية لتوجهات الشارع الفلسطيني، يستند على نتائجها الكثير من الباحثين لتحليل مجمل الأوضاع الفلسطينية، إضافة إلى الأهمية التاريخية والعلمية لهذه الجامعة التي إحتضنت على مدار سنوات أفضل الأكاديميين الفلسطينيين وأنتجت أفضل الخريجين في المجالات المختلفة، ورغم تعرضها للإغلاق عدة مرات خلال سنوات الإنتفاضة الأولى كإجراءات تعسفية نفذها الإحتلال وقيامه بإبعاد وإعتقال عدد من أساتذتها المتميزين الذين لعبوا دوراً وطنياً في محطات عديدة، وقد مرّت بأزمات مالية كثيرة جراء سياسات الإهمال الحكومي لمؤسسات التعليم والتعليم العالي لصالح موازنات الأجهزة الأمنية ونفقات المسؤولين.

أخفاق منظمة الشبيبة الفتحاوية في حصاد أصوات الناخبين لإختيار مجلس طلبة جديد لا يمكن إختزاله في سوء أداء هذه المنظمة داخل الجامعة أوتعليله بفشل المناظرة التي جرت بين ممثلي الكتل الطلابية المتنافسة في الإنتخابات، ولا حتى بمستوى النفقات والخدمات والبرامج النقابية تقدمها الكتل لصالح الطلبة في الجامعة، فهذا تجني على الحقيقة وتسطيح خطير لها سيعيد إنتاج الفشل في محطات إنتخابية جديدة، ولو جاءت الشبيبة بأفضل المنظرين لها داخل الجامعة لن تستطع إقناع جمهور الناخبين الساخطين المنفضّين من حول حركة سياسية قسّمها رئيسها إلى جماعات متصارعة، ومسخ برنامجها الوطني النضالي إلى مشروع سلطة غارقة في التنسيق الأمني والإستثمار المالي الشخصي على حساب الغالبية العظمي من أبناء الشعب الفلسطيني، فلن يقوى هذا المنظّر على تبرير مسلكيات خطيرة لرئيس سلطة وحركة منشغل ليل نهار بتصفية خلافات تنظيمية وسياسية مع النائب محمد دحلان أكثر من إنشغاله بالقضايا الوطنية العامة وتكريس الجهد لمواجهة الإحتلال والإستيطان والجدار والجرائم اليومية التي ينفذها الإحتلال بحق الشعب الفلسطيني، فمزاج الناخبين وتوجهاتهم ليس رهن مناظرة تجرى داخل الجامعة أو مساعدة مالية تقدمها كتلة ما لصالح طالب محتاج، بل تراكم لمجموعة من عوامل كثيرة تجري خارج وداخل الجامعة أبرزها السياسات العامة التي ينتهجها الحزب السياسي في إدارة المجتمع وإدارة الصراع مع الإحتلال، إضافة لشكل العلاقات الداخلية التنظيمية في هذا الحزب ومدى إستجابته لقناعات أعضاء الحزب والكتلة التصويتية.

من الواضح جداً أن مجمل الحركة الوطنية لم تستوعب دروس الإنتخابات البلدية والتشريعية والنقابية، رغم كل العواصف التي حدثت في المنطقة العربية ، فهي لم تجرٍ مراجعات جديّة تعيدها إلى دائرة التأثير وقيادة الجماهير، بعد أن أدخلها الرئيس عباس إلى سجن "الصندوق القومي" التابع لمنظمة التحرير تارة ومارس عليها التخويف بسلطته البوليسية تارة أخرى، الحركة الوطنية متشابهة في عجزها، متضامنة في فشلها، مترابطة في مصالح عواجيزها لدرجة تدفع إلى ثورة حقيقية داخل أطرها وعليها تطيح بهذه الأصنام وتفضي إلى واقع سياسي جديد يفتح الخيارات أمام المجتمع الفلسطيني ويعيد له الأمل في مستقبل أفضل.

المؤسسة القمعية الإقصائية التي تدير ظهرها للموقف العام وتتسلح بأجهزة الأمن وتعتدي على الحقوق العامة وتمارس بلطجتها في مخيمات جنين وبلاطة وقلنديا وبلاطة، وتطلق الرصاص على الأطفال في نابلس وعلى نواب من المجلس التشريعي في رام الله، تحاصر برلمان الشعب تنفيذاً لرغبات رئيسها، ولا تستجيب لمصالح الغالبية العظمى من الجماهير الفلسطينية، مؤسسة ستسقط في كل مكان إن لم يتم تدارك هذا الإنحدار السلوكي لرئيسها، وإن لم يحدث تغيراً جذرياً في أداء قادتها يؤدي إلى وحدة المؤسسة التنظيمية ويعزز بنائها الديمقراطي ويعيد لها هويتها الوطنية التي كانت سبباً في انطلاقها وتحولها إلى أكبر قوّة فلسطينية مناضلة ضد الإحتلال ، بيرزيت تنذر الجميع والمعركة ليست نقابية طلابية.

بقلم/ محمد أبو مهادي