لم يعرف التاريخ البشري الحديث دولة قامت على استحضار مركبات وعناصر الخوف،لكي يغدو مفردة لازمة من مفردات الخطاب السياسي والإعلامي لقادتهم على إختلاف مشاربهم وإنتماءاتهم الفكرية والسياسية،كدولة الإحتلال "الإسرائيلي"..مفردات تؤكد على الأخطار المحدقة بدولة الإحتلال ،امنها،وجودها،بقائها،تطورها وديمومتها،مفردات تتبدل وتسبق كاولويات نتيجة للمتغيرات الداخلية والخارجية المحيطة بدولة الإحتلال الإسرائيلي المسكونة بفزاعة الخوف.
لقد ظل الأمن هو المحرك الأساسي للسياسة العامة الإسرائيلية،ونجح دعاة هذا التيار في بقائه كمحرك أساسي في السياسة الإسرائيلية حتى نجح دعاة تيار الإستيطان من كسر هذه القاعدة،بحيث أصبح الأمن فقط واحد من المحركات للسياسة العامة الإسرائيلية،وليس المحرك الرئيسي لها..فالحكومة اليمينية المتشكلة والقائمة الان،والحكومة التي ستتشكل لاحقاً كإمتداد اكثر تطرفاً وعنصرية لما هو قائم، أصبحت ترى بأن الخطر على الإستيطان،هو مقتل الدولة وإنهيارها...وليس الأمن فقط،ولذلك يجب ان يكون الإستيطان،هو المحرك الأول للسياسة العامة الإسرائيلية.والمجتمع الإسرائيلي شهد إزاحة مجتمعية كبيرة نحو اليمين والتطرف والعنصرية منذ عام 1996..وتمكنت القوى الصهيونية اليمينية ان تفرض وجهة نظرها وسياساتها من خلال فوزها في الإنتخابات وسيطرتها على الحكم في اسرائيل.ونتيجة للمتغيرات العربية والإقليمية والدولية،وخصوصاً بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي،وفق الفهم الغربي،وصل قادة الإحتلال الى قناعة بان الظروف مؤاتية لهم،لكي يرفعوا ويطرحوا شعار الإحتفاظ بالأمن والإستيطان والسلام معاً،فالحالة الفلسطينية ضعيفة ومنقسمة على ذاتها.والدول العربية تعيش ازماتها الداخلية وتتفتت قطريتها وتجزء،ومشتبكة في حالة من الإحتراب المذهبي والطائفي المدمر لها ذاتياً..وإرادة دولية معطلة وغير قادرة على فرض أية حلول سياسية على دولة الإحتلال.أقطابها الرئيسية مشتبكة ومتصارعة من أوكرانيا وحتى اليمن.
في إطار قيام دولة الإحتلال وحتى منذ ولادة الحركة الصهيونية،وسعي قادتها الى إيجاد وطن قومي لهم في فلسطين كنقيض وبديل لشعبنا الفلسطيني،إستخدم القادة الصهاينة فزاعة الخوف والممارسات العنصرية واللا سامية والإضطهاد الذي مارسته اوروبا الغربية وروسيا ضد اليهود،ومن ثم المذابح "الهولوكست" التي إرتكبتها النازية بحق اليهود،استثمرت كل ذلك من اجل أن تجلب اليهود من كل أصقاع الدنيا الى فلسطين،ومنذ ذلك برعت الحركة الصهيونية في توظيف عنصر الخوف،لكي يصبح مركب أساسي يستخدم في حماية الوحدة الداخلية للدولة وبقائها وتطورها.وكذلك يجب الإستمرار في تذكير العالم وإبتزازه،في وجه أي دعوة او طرح يدعو دولة الإحتلال الى وقف جرائمها ومجازرها بحق الشعب الفلسطيني،او إدانتها على خلفية ذلك وخرقها الفاضح للقانون والمواثيق والإتفاقيات الدولية.
ونحن في المرحلة الحالية شهدنا توظيفاً غير مسبوق من قبل حكومة نتنياهو للمخاطر المحدقة بالأمن الإسرائيلي،هذا التوظيف،لكي يضمن لدولة الإحتلال البقاء والوحدة والتطور،فنتنياهو في الإنتخابات الأخيرة،وجدناه يوظف خطر أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني على يهودية دولته في حملته الإنتخابية،وكذلك ذهب الى واشنطن وأذل رئيسها اوباما في عقر داره،لكي يشرح للكونغرس الأمريكي المخاطر المحدقة بالأمن الإسرائيلي ووجود اسرائيل كدولة بإمتلاك ايران للسلاح النووي،او توقيع امريكيا لإتفاق معها حول برنامجها النووي،وهذه مفردات تستخدم ليس فقط من منطلقات أيديولوجية فقط،بل هي أضحت لازمة مثل الشيفرا الوراثية للإنسان،فاليوم يجري الحديث عن الخطر النووي الإيراني،وكذلك عن مخاطر صواريخ حزب الله والصواريخ الفلسطينية من قطاع غزة،والقنبلة الديمغرافية الفلسطينية،والمتغيرات المحيطة بإسرائيل وإمكانية إمتلاك الجماعات المسلحة التكفيرية لأسلحة متطورة تهدد امن اسرائيل،وسابقاً كان يجري الحديث عن الخطر العراقي على اسرائيل،ولربما فنزويلا او حتى أي نظام عالمي جديد يدين ممارسات وإحتلال اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وأرضه،هو في دائرة تشكيل الخطر على دولة الإحتلال،ويتهم باللاسامية والعنصرية ومعاداة اسرائيل،وهناك الكثيرين من السياسيين والصحفيين الغربيين خسروا مواقعهم الوظيفية او تعرضوا للإعتقال على خلفية إنتقاداتهم وإداناتهم لإسرائيل على خلفية جرائمها وممارساتها القمعية والإذلالية بحق الشعب الفلسطيني.
هذه بعض أهم تهديدات الأمن القومي الاسرائيلي التي نقرأها ونسمعها بين الحين والآخر،وهي مختلفة ومتنوعة، ويختلف تدرج أولويتها بحسب أجندة ودوافع ووظيفة الجهة التي تحددها، فالمستوطنون يعتبرون الخطر على استمرار الاستيطان هو التهديد الأهم، والأمنيون ينقسمون بين أولوية الخطر الإيراني وأولوية صواريخ حزب الله ...الخ.
هاجس قادة اسرائيل وخوفهم،أن تجري متغيرات إقليمية ودولية،تجعل من قدرتهم على إستمرار صناعة الخوف مشكلة جدية وحقيقية،فهم تعودوا وتربوا ومارسوا الكذب والخداع والتضليل على العالم وعلى مجتمعهم،بأن كل العالم معاد لهم والعرب يتربصون بهم من اجل القضاء على دولتهم،والفلسطينيون مخادعون لا يريدون السلام،بل هدفهم تدمير دولة اسرائيل،وأي قائد لهم يطالب بالحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ليس شريكاً في "السلام" ويدعم "الإرهاب",
الخطر هنا ان تقل قدرة قادة دولة الإحتلال على استحضار عنصر الخوف كمركب ولبنة أساسية في الأمن القومي الإسرائيلي.
اسرائيل ستواصل سياستها القائمة على الفزع والخوف،وسيبقي المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه ليس كما طرح عالم الإجتماع ديكارت "أنا اشك اذاً فأنا موجود"، بل "انا خائف اذاً فأنا موجود"
بقلم/ راسم عبيدات