اختطاف الدور

بقلم: طلال الشريف

"اختطاف الدور" هو مرض متوطن في فلسطين وفي غزة أكثر شيوعا

وهو مؤشر على تدني الإبداع وقلة عدد المبدعين

والأخطر أنه مؤشر على كثرة عدد الغشاشين والهباشين والمتقمصين

اختطاف الدور يختلف تماما عن التقليد فالتقليد هو اعتراف بأصل الفكرة حتى لو لم يصرح بذلك أو يتم الاعلان عنه

اختطاف الدور هو تزوير كامل الحيثيات وهو سرقة علنية للعقول

واختطاف الدور هو نقص في الشرف وانحطاط في الكرامة لدى المختطِف بكسر الطاء أو الخاطف أي الفاعل

اختطاف الدور ليس متعلقا هنا بنقل الفكرة أو العمل دون الافصاح عن صاحبها الأصلي بل متعلق بما يتراكم على الاختطاف للدور والفكرة وعدم تنميتها وتطويرها وحمايتها من صاحبها الحقيقي عندما يستحوذ عليها سارق

اختطاف الدور هنا يتعلق بكل مناحي الحياة والمستقبل وأكثرها وضوحا في مجتمعنا الفلسطيني في مجالات السياسة والثورة لأنها التجارة الأكثر رواجا منذ قرن من الزمن وغياب الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وعدم تشكل هيكليات المجتمع المستقر وتراتبيته المبنية على القدرة والكفاءة

اختطاف الدور مرض أصبح مزمنا ومتوطنا يتعلمه الأبناء من الآباء بكل فخر من الآباء لقناعتهم بأنه علم ابنه الشطارة دون ادراك حقيقي بأنه علمه الكذب والاحتيال وأحيانا كثيرة يعلمه النذالة والابتذال لكسب الشيء دون عناء (فهلوة يعني) ومع الأيام يلقبونه الناس بأنه حِرِك فيستمر ليتشكل ويتصلب عوده فيعيد التربية البائسة لأجيال جديدة والأخطر حين يصبح مسئولا عن حركة مجتمعهم أو في موقع قرار فيحدث فيهم الكوارث

لاختطاف الدور أنواع كثيرة ومتعددة تشمل كل مناحي حياتنا في التجارة والصناعة والأدب ولكن أخطر أنواع اختطاف الدور تحدث في الأحزاب والمؤسسات بأنواعها لذلك تجد التجلي في الكولسات والتآمر والمقالب والمماسك والإشاعة والنميمة والإسقاط والتسجيل والتصوير للوثائق والسلوكيات الخارجة عن النصوص من العلاقات العاطفية والجنسية حتى تزوير الفواتير والتجاوزات المالية والمعارك هنا دامية لها علاقة بالاستئصال والإقصاء والتغييب الجسدي والمعنوي وكل عناصر الجريمة المنظمة وغير المنظمة واختطاف الدور القيادي يحدث مع الرؤساء وقادة الأحزاب وقادة المناطق والشعب ومدراء المؤسسات ومؤسسيها وينتقل عموديا وأفقيا على كل المستويات وأساس ذلك الذي تحدثنا عنه هو التربية الخاطئة والتزاحم على الاقتناص في مجتمع لا يتمتع بالاستقرار

ولأن غزة بها كم بشري كبير ومساحة ضيقة وإمكانيات أقل من الضفة الغربية نجد مرض اختطاف الدور أكثر شيوعا وأكثر توطنا وعملية إعادة انتاجه مستمرة

في غزة هاشم إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب واختطاف الدور حدث تاريخيا مبكرا في الواسطة والمحسوبية والحزبية الفئوية فلا يكاد يحصل المرء على حقه إلا مدعوما عائليا أو جهويا أو استخداما للقوة والتآمر الذي يصل أحيانا حد القتل أو الاغتيال أو هتك العرض أو الاستغلال الجنسي

أمراض اجتماعية وسياسية عديدة في هذا القطاع كانت وتتطور مع مراحل استمرار عدم التحرر والاستقلال ونقص التربية الصحيحة والأهم غياب القانون ومنظومة الحماية للحق الخاص والحق العام وفوضى السلاح الدائمة والاستقواء في كل المراحل.

أسوأ أنواع اختطاف الدور في فلسطين هو ينتج هذا البناء المشيد من زمن طويل على أسس غير منطقية وغير صحيحة تنهار جدرانه مع كل هبة ريح ونقف مكتوفي الأيدي لا نعرف الخطوة القادمة والمطلوبة وحتى لو عرفناها لا نستطيع القيام بها فالبناء أعوج في أساساته وتستمر النكسات والانتكاسات لغياب صاحب الفكرة والدور الحقيقي القادر على تطويرها ورعايتها فسارق الفكرة والدور لا يستطيع النهوض بها.

بقلم/ د. طلال الشريف